نعم.. للجبهة الوطنية للاصلاح
بقلم فهد الريماوي
تستحق الجبهة الوطنية للاصلاح التي تشكلت مؤخراً برئاسة الاستاذ احمد عبيدات، الكثير من الاهتمام، والوفير من الدعم والمؤازرة والاسناد الشعبي والنخبوي، لعلها تقوى على النهوض بمهماتها الجليلة، والتوفيق في بلوغ اهدافها الوطنية، والتأثير الكبير في مجريات الحياة العامة.
تستحق هذه الجبهة التي حوربت حتى قبل اشهارها، ان تكون محل اكبار واحترام كل الوطنيين الاردنيين مهما تنوعت مذاهبهم ومشاربهم ومنابتهم، وان تكون محل جدل ونقاش في كل المحافل السياسية والميادين الصحفية والاعلامية، بغية بلورتها واثرائها وترويجها على اوسع نطاق.
ورغم ان تشكيل هذه الجبهة لم يخرج عن الاسلوب التقليدي المعتاد في تجميع عدد من الشخصيات السياسية، والتنظيمات الحزبية والنقابية المعروفة، الا انها تملك كل امكانات النمو والارتقاء، وفرص الانتشار والقيام بدور وطني فاعل، اذا ما اتيح لها ان تخرج من الغرف المغلقة الى الميادين العامة، ومن عمان العاصمة الى سائر المدائن والمحافظات، ومن المستوى النخبوي الى رحاب الشارع الشعبي.
كل الامل ان تضطلع هذه الجبهة بدور وطني وشعبي من شأنه سد الفراغ السائد حالياً في ميادين العمل العام، وان تشكل رافعة نضالية جديدة ونوعية بعدما خمد الحراك الشعبي الذي اندلع منذ مطالع هذا العام دون ان يحقق المبتغى، او يسفر عن حصاد يُعتد به على صعيد التغيير والاصلاح والتحول الديموقراطي الحقيقي.
ولعل التحدي الاول والاهم الذي ينتصب في وجه هذه الجبهة، هو كيفية الارتفاع الى مستوى الدور الكبير المطلوب منها، واجتناب تجارب الجبهات والملتقيات والتجمعات السابقة التي بدأت واثقة وواعدة، ثم انتهت ضئيلة وهزيلة ومستهلكة لذاتها وامكاناتها، دون ان تترك اثراً او تنجز شيئاً.. خصوصاً وان حجم الخصوم والمتربصين بهذه الجبهة العتيدة قد لا يقل عن حجم المؤيدين لها والمراهنين عليها.
في وثيقتها الاساسية التي تميزت بالجرأة والعمق، ابدعت هذه الجبهة في وضع الاصبع على حقيقة الجرح، وتفوقت في تشخيص الداء وتوصيف الدواء، ونجحت في اجتراح >دليل عمل< وطني جماعي مؤهل لاستقطاب كل احرار الاردن الشغوفين بالتغيير والانعتاق.. ولا شك ان القراءة المتأنية لفحوى هذه الوثيقة ومرتكزاتها سوف تثبت بجلاء مدى عمقها وجرأتها وعدالتها وتقدميتها وسمو غاياتها ومنطلقاتها.
ورغم ان كل بنود هذه الوثيقة المتألقة تستحق التنويه والتثمين والثناء، الا ان ضيق المجال والمقال قد اضطرنا الى التركيز على ثلاثة بنود جوهرية رأينا انها تستحق الاضاءة والتمحيص والتوقف عندها من موقع الاشادة والاعجاب.
1 - بكيفية جدلية ذكية، ربطت هذه الوثيقة بين مكافحة الفساد وبين مباشرة الاصلاح السياسي، واكدت ان >وجود الفساد يدل علٌّى فساد في النظام، وان محاربته لا تصح الا باصلاح النظام، ونشر الديموقراطية<، كما دعت الى >وضع استراتيجية متكاملة لمحاربة الفساد، والحد من استشرائه في الحياة السياسية، والبنى الاقتصادية والاجتماعية والادارية في الدولة<.
ان هذا الربط غير المسبوق في ادبيات القوى الحزبية والنقابية الاردنية بين وجود الفساد وفساد في النظام، انما يؤشر بوضوح على جدلية العلة والمعلول، او السبب والمسبب، او المبتدأ والخبر، كما يبين ان مكافحة الفساد ليست عملية فنية او ادارية او قانونية، بقدر ما هي، اولاً وفي الاساس، عملية سياسية تتطلب اجراء اصلاحات جوهرية في بنية النظام ذاته، وليس فقط في اذرعه وتوابعه وامتداداته.
2 - رداً على سؤال المواطنة المطروح هذا الاوان بشكل واسع على موائد الجدل ومحافل السجال، والمحفوف بمخاطر التشظي الشعبي والانقسام في الضمير الوطني العام، دعت هذه الوثيقة الى بناء >الدولة المدنية الديموقراطية التي تقوم على الحرية والعدل واحترام حقوق الانسان، والتي تشكل المواطنة بابعادها الدستورية والقانونية والاخلاقية ركيزتها الاساسية<.
كما شددت في موقع آخر على >ان وعي شعبنا ومتانة نسيجنا الوطني، هو امضى سلاح في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وهو الضمانة الاولى للدفاع عن عروبة الاردن، والحفاظ على امنه واستقراره وصون هويته العربية الاسلامية، كما ان الخطر الصهيوني القائم والقادم، هو التحدي الرئيس الذي يستهدف الاردن مثلما استهدف فلسطين<.
نحن احوج ما نكون في هذه الحقبة العصيبة، ووسط هذه الدوامات والتقلبات العربية والاقليمية والعالمية، الى حسم موضوع المواطنة باعتبارها حقاً شرعياً ثابتاً لا جدال فيه، والى تعزيز اواصر الوحدة الوطنية وليس اثارة النعرات الجهوية والعصبوية، والى تصويب بوصلة التجاذب والاختلاف لتعود الى سابق عهدها فيما بين الشعب والحكم، وليس فيما بين مكونات الشعب واصوله وفصوله.
وليس من شك ان قوام هذه الجبهة الذي يضم قوى وشخصيات متنوعة المنابت والاصول، بقيادة شخصية وطنية وازنة ومحترمة، يمكن ان يشكل بوتقة لصهر اية تعارضات او تناقضات بين مكونات الشعب، ورابطة لتوثيق عرى التآلف والتكاتف والاخاء داخل البيت الاردني المكين.
3 - في بادرة جريئة تعتبر الاولى من نوعها، تطرقت هذه الوثيقة الى موضوع حساس يتعلق بالمسألة الامنية، حيث وضعت نقاط الشجاعة على حروف الصراحة حين طالبت بـ >اصلاح المؤسسة الامنية بجميع اجهزتها، بما يضمن التزامها بالمهمات والواجبات التي حددتها القوانين، والمتمثلة في حماية امن الوطن والمواطن، والغاء الصلاحيات الاستثنائية التي مُنحت لها، او منحتها لنفسها، ووقف تدخلها دون اي سند قانوني في ادارة الانتخابات، وفي شؤون الجامعات والاتحادات الطلابية والنقابية العمالية والمهنية، وفي عمل الصحافة والمؤسسات الاعلامية الرسمية والخاصة، ومؤسسات المجتمع المدني الاخرى<.
معظم - وربما كل - الوثائق والمواثيق والادبيات الحزبية والجبهوية والنقابية والائتلافية السابقة تحاشت التأشير الى هذه الاشكالية الشائكة، وتجنبت الحديث عن الدور المهيمن للاجهزة الامنية على مختلف الانشطة العامة في البلاد، ولكن هذه الوثيقة تجرأت على بق البحصة، ووضع الامور في نصابها، وتسمية الاشياء باوضح اسمائها.. وهو الامر الذي لم يميزها عن ادبيات سابقة عليها فحسب، بل اجتذب ايضاً لها الكثير من التقدير والتأييد والاحترام.
وعليه.. فلا سبيل الى الدولة المدنية، والاصلاح السياسي، والحياة الديموقراطية تحت مكابس الاجهزة الامنية والاستخبارية، وما لم يتم وقف تغولها، وضرورة الزامها بالعمل في نطاق اختصاصاتها التي حددتها قوانينها وانظمتها !!
فهد الريماوي يكتب :نعم ..للجبهة الوطنيه للاصلاح
أخبار البلد -