قد يستغرب البعض من اختياري لهذا العنوان ، والحقيقة أن ما دفعني لذلك هو تذكري لعنوان مرحلة زراعية مشابه كان قد أطلق في العام 1975 وكان تحت عنوان " نحو أردن أخضر عام 2000 " ، وقتها ، قلت ان فترة خمسة وعشرون عاما لجعل الاردن أخضر طويلة نسبيا ، ووضعت يدي على قلبي بأنه من الممكن أن يطال الزحف الاخضر بوادينا ورمالها الخلابة ، وقد نذهب الى البتراء مثلا ونستظل تحت أشجار خضراء جميلة وارفة تبعث على الراحة وتؤشر على قدرة الانسان الاردني ومؤسساته الحكومية في تطبيق خطط العمل بكل همة ونشاط واحترافية عالية بعيدا عن الروتين والتلكؤ والتباطؤ ، الا أنني أدركت في العام 2011 ، ان فترة عشرون وثلاثون وخمسون عاما قد لا تكفي لعمل أي شيء عندنا نحن العرب ، فقد يكون واضعوا تلك الخطط في ذمة الله ، وقد تكون الخطط نفسها قد اعتراها التلف وأكلتها الجردان في أدراج المكاتب أو المستودعات ، والاهم من كل ما سبق ، ان المواطن نسي هذه العناوين ودخلت طي الكتمان وحيز النسيان وتبخرت مواردها المالية .
من هنا ، لا تحاولوا سؤالي أو مساءلتي لماذا أخترت عنوانا لمقالتي بهذا الشكل وبهذا الاطار الزمني الطويل ، فالاحتياط واجب ، والقياس على ما سبق ممكن ، والخبرة الماثلة امامنا تستوجب الحذر بوضع الاطار الزمني المناسب لتنفيذ الخطط والمشاريع ولو بعشرة سنوات أو عشرين سنة زيادة عن المطلوب أو المتوقع !!!
وعودة على موضوع المقالة ، وللحقيقة أقول أن الفساد أينما كان وبمختلف أنواعة وأشكالة وطرقه وأساليبة وشخوصه ، يتبلور ويتقدم ويتحسن بأدائه وفقا للبيئة الحاضنة له ، والمتمثله بغياب التشريع المناسب أو تعطيله أو الالتفاف عليه ، ووفقا لتقدم أساليب مكافحته ، فالعقل الجرمي يسبق بالعادة العقل السوي الايجابي نحو اختراق منظومة الامن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ، وغياب خطط العمل الصحيحة والمبرمجة والكفؤة في هذا المجال ، تؤدي الى انفلات كبير وغير محمود العواقب ويؤدي الى اختلالات مجتمعية واضحة تعكر صفو التقدم في مختلف مجالات الحياة .
يمكن تعريف الفساد من منظور شخصي متواضع بأنه " اغتصاب حقوق الغير بطرق تتنافى مع القانون السائد وبما يلحق الاذى بالافراد والمجتمعات " ، وتحت هذا التعريف يمكن رصد قوائم طويلة من أشكال الفساد نراها ونسمعها ونقرأ عنها بشكل يومي ، لكن الفساد الاكثر حجما وتأثيرا وأذى يتم الكشف عنه بطرق مبرمجة ومقصودة ، قد يكون الهدف منها بريئا بقصد المصلحة العامة ومن خلال الاجهزة المختصة بذلك ، أو من خلال تصفية الحسابات بين الفاسدين أنفسهم لاختلاف المصالح وتبدل الادوار وأغتيال الشخصيات .
الفساد الاكبر في المنطقة العربية عموما يبدأ باستيلاء الحكام على السلطة بطرق غير ديموقراطية ولا تعبر عن ارادة الشعوب تحت شعارات الثورة والتحرير والتصحيح ،واستحواذهم على النصيب الاكبر من مقدرات بلدانهم وترك الشعوب تعاني الامرين من قبضة الامن الحديدية والجوع الكافر ، ثم يبدأ بعدها تفرع الفساد من العنوان الاكبر الى العناوين الاصغر حجما حين تتدخل السلطات بايصال مجالس نواب شكلية وحسب المقاس ، وحين تسند مناصب قيادية ووزارية الى أشخاص أبعد ما يكونوا عن الكفاءة والقدرة على تحمل المسؤوليات ، وحين يتم تطبيق القانون حسب حجم الشخص المتهم وامتداداته وعلاقاته وقدراته المالية ووضعة الاجتماعي ، فلا عجب اذن أن تكون مخرجات الانظمة العربية سيئة على شعوبها ومجتمعاتها ما دامت المدخلات اصلا أكثر سوءا .
نحن في الاردن عانينا – ولا زلنا نعاني – من استشراء الفساد ، لكننا نعاني من بعض أعراضه الصغرى بعيدا عن العنوان الاكبر ، فالنظام السياسي الاردني مستقر ولدية شرعية واضحة منذ تأسيس الدولة الاردنية ، وهناك اجماع على بقائة كضمانة لاستقرار الوطن ، اضافة الى ان تاريخ النظام السياسي الاردني مشرقا في تعامله مع الشعب ، فلم يكن دمويا في يوم من الايام وحتى في احلك الظروف السياسية التي مر بها الوطن . مشكلتنا في الاردن تتمثل فيمن يتسلمون المناصب القيادية أحيانا ، اذ تتولد لدى البعض منهم قناعات بأنهم فوق القانون والمساءلة ، وينظرون الى المنصب القيادي على انه " جمعة مشمشية " يجب استغلالة بطرق بشعة جدا من خلال توزيع المناصب وتوريثها ، ويحاولون الاثراء السريع بسرعة تفوق سرعة الضوء، فالوطن في نظر البعض عبارة عن مزرعة خاصة يحمل ملكيتها " قيشانها " !
لست من هواة جلد الذات ، ولست من هواة التشهير والتضخيم والتهويل و " نشر الغسيل على حبل الجيران " ، بل لعلني من المتفائلين دوما بأن في هذه الارض ما يستحق الحياة لأجلة ، وبأن الارض التي أنجبت هزاع ووصفي قادرة على انجاب المزيد من الرجال الرجال ، بل لعلهم موجون بيننا الان ، لكنهم لم يعطوا الفرصة المناسبة لخدمة وطنهم ومليكهم .
نتمنى أن نرى نموذجا واحدا وواضحا لمحاسبة مسؤول كبير عن تهمة فساد وبطريقة حضارية ضمن القانون والدستور الاردني ، وكلي ثقة بأن محاسبة مسؤول واحد وتطبيق القانون عليه بكل نزاهة وحيادية وموضوعية ، سيولد نوعا من الارتياح لدى الجميع ، وعندها سنقول ، نعم نحن في دولة القانون والمؤسسات ، وأملي كبير بأن يحدث هذا قبل عام 2050 !!!