«كاباريه» لبوب فوسّ: السياسة والغناء الراقص معاً

«كاباريه» لبوب فوسّ: السياسة والغناء الراقص معاً
أخبار البلد -  
إذا كان حديث جوائز الأوسكار يشغل الناس في هذه الأيام بما يرافقه من حديث عن أرقام قياسية، فإن من أغرب هذه الأرقام في تاريخ الجائزة ذاك المتعلق بفيلم «كاباريه» للمخرج الأميركي، الهوليوودي بامتياز، بوب فوسّ. فهذا الفيلم يبقى فريداً من ناحية كونه الفيلم الذي حصل على أكبر عدد من جوائز الأوسكار من دون أن يفوز بالجائزة الأم وهي جائزة أفضل فيلم، مع أن في مقدمة جوائزه جائزتي أفضل مخرج لفوسّ نفسه وأفضل ممثلة للايزا مينيللي التي سجل الفيلم يومها دخولها عالم الغناء على الشاشة من الباب العريض. ومع هذا لا بد من الإشارة إلى أن أهمية «كاباريه» لا تكمن فقط في كونه فيلماً غنائياً موسيقياً راقصاً عرف أهل الأوسكار كيف يكرموه، بل في كونه أيضاً، وربما خاصة، فيلماً عن النازية يتحدث عنها بلغة شعبية يفهمها الناس بعيداً عن اللغات السياسية المطروقة والتي تتوجه إلى النخبة عادة.

 

 

> والحقيقة أن «كاباريه» إنما أتى في سياق سينما هوليوودية كانت قد اكتشفت أهمية تقديم المواضيع الأكثر جدية في قوالب غير متوقعة، كالقالب الكوميدي للحديث عن حرب فييتنام («ماش» لروبرت آلتمان و «هير» لميلوش فورمان والاثنان مأخوذان من مسرحيتين غنائيتين) على سبيل المثال. وكان ذلك جديداً في هوليوود التي كانت حتى في أحسن أفلامها المدافعة عن الإنسان وعن الديموقراطية تقيم فرزاً حقيقياً بين الأنواع. أما بالنسبة إلى بوب فوسّ فلقد شكل نجاح «كاباريه» بالنسبة إليه خير ردّ على الفشل الذي كان أصاب أفلامه السابقة. ومن ناحية أخرى أتى هذا الفيلم الذي تدور أحداثه في برلين العام 1931 مع صعود النازية، سابقة طيبة في مجال تحويل الأدب إلى كوميديا موسيقية. فالفيلم مأخوذ بالتأكيد عن مسرحية غنائية كانت اشتهرت في برودواي، لكن هذه مأخوذة أصلاً عن نصين قصصيين لكريستوفر إيشروود وردا في مجموعته «حكايات برلينية» التي كتبها استيحاءً من إقامته في برلين في تلك الفترة الصعبة من حياتها بين سقوط فايمار وصعود هتلر.

 

 

> يدور الفيلم، - الذي قد يصحّ النظر إلى حكايته بكونها إلى حد ما سيرة ذاتية لإيشروود نفسه -، من حول الكاتب والأكاديمي الإنكليزي براين روبرتس الواصل حديثاً إلى المدينة ويقيم في بيت متواضع يكتشف أن من تجاوره فيه مغنية أميركية شابة هي سالي بولز. يتعارف الاثنان على رغم تردد براين المتحفظ والمسجون في مواصفاته الأكاديمية إلى درجة أن سالي حين تصبح صديقته ستعتقد أول الأمر أنه مثليّ الجنس. أما هو فيصرح لها بأنه أخفق في كل محاولاته الغرامية السابقة وبالتالي لا يريد أن يعيد التجربة. مهما يكن يضحي الاثنان صديقين على خلفية ظهور النازيين وهجماتهم المتكررة ضد الفن وضد الأجانب وضد اليهود. في تلك الأثناء يتعرف الاثنان على بارون ألماني ثري هو كاكس الذي يدعوهما ذات يوم إلى قصره حيث يبدو أنه يقيم علاقة خاصة مع كل منهما قبل أن يسأم منهما فيترك لهما مبلغاً ضئيلاً من المال ويهاجر إلى الأرجنتين. وبعد حين إذ تكتشف سالي أنها حامل لا تعود تعرف من هو الوالد الحقيقي للطفل: أهو ماكس البارون أم براين؟... بيد أن المهم هنا ليس هذه التفاصيل ولكن بالطبع قدرة الفيلم على التعبير عن الأجواء البرلينية والمتغيّرات الأخلاقية ولا سيما من خلال العديد من الحكايات الجانبية واللقاءات والشخصيات التي عرف بوب فوسّ كيف يدوزنها بقوة في فيلم كان يبدو للوهلة الأولى أنه غير قادر على التعبير عن كل ذلك في وقت واحد. لكن قوة السيناريو والإخراج لعبت دوراً أساسياً جعل الفيلم يعتبر من أبرز الكلاسيكيات السينمائية حتى اليوم ومخرجه من أهم السينمائيين الذين أنجبتهم هوليوود.

 

 

> صحيح أن فوسّ كان، يوم رحيله، في الحادية والستين من عمره، لكنه كان لا يزال يبدو وكأنه في شرخ الشباب، حيوياً متحركاً على الدوام صاخباً مثل موسيقى الجاز التي كان مولعاً بها وكان لا يتوقف عن استخدامها في أفلامه... وكانت أفلامه هذه تشبه شخصيته إلى حد بعيد، ولا سيما منها فيلمه «كاباريه» وبخاصة «كل هذا الصخب» الذي أتى وكأنه يختصر سينماه كلها وأيضاً حياته ويتنبأ بموته، إذ إن بطل ذلك الفيلم يعيش أيامه الأخيرة صاخباً متحركاً ثم يموت في نهاية الفيلم إثر أزمة قلبية تولدها حالة قلبه الواهنة. وبالفعل فإن فوسّ حين رحل عن عالمنا في العام 1987 بعد سنوات من إنجاز ذلك الفيلم، رحل بفعل أزمة قلبية تماماً مثلما كان حال بطل فيلمه، الصاخب أبداً، الراقص أبداً.

 

 

> في نهاية الأمر كان بوب فوسّ كلاسيكياً في أسلوبه السينمائي، أما الجديد الذي أتى به فهو تلك الحيوية المسرحية التي أضفاها على أفلامه، بخاصة أن معظم تلك الأفلام كان ينتمي إلى عالم «الكوميديا الموسيقية». ولم يكن غريباً على بوب فوسّ أن يخوض ذلك العالم، فهو المولود في 1926 في مدينة نيويورك، ولد تقريباً على خشبة المسرح، إذ إن والده، وإلى حد ما والدته، كانا من ممثلي مسرح المنوعات. ولقد أمضى بوب فوسّ طفولته وصباه الباكر وهو يرافق والديه في جولاتهما المسرحية، وكان يحدث له في بعض الأحيان أن يكلف بأدوار صغيرة تمكنه من أن يرقص ويمثل ويغني على سجيته. وهكذا حين أضحى في التاسعة عشرة من عمره، وصار بإمكانه أن يختار مهنته بنفسه، كان من الطبيعي أن يقع اختياره على الفن المسرحي، ولكن... من الباب العريض، إذ نراه يتعرف إلى راقصة تكبره في السن، ويهرب معها ليبدأ حياة جديدة، مشتغلاً معها على رقصة ثنائية مكنتهما من أن يتجولا في العديد من المدن الأميركية.

 

 

> وفي العام 1949 كانت بداية جديدة له على أحد مسارح برودواي، حيث نراه يتزوج راقصة جديدة تدعى جوان ماكراكن، ويتولى إلى جانبها بطولة استعراض عنوانه «ارقصني أغنية». وبعد ذلك يرحل إلى هوليوود بعد أن قرر التحول من فن المسرح إلى فن السينما. وفي عاصمة الفن السابع الأميركية يتمكن من الحصول على أدوار راقصة في أفلام راقصة قبل أن تكلفه شركة كولومبيا بتصميم رقصات فيلم «أختي ايلين» (1955) فكانت تلك بدايته السينمائية الحقيقية، كمصمم للرقص، إذ إن عيون الشركات الأخرى سرعان ما تفتحت عليه وبدأت تكلفه بتصميم الرقصات. وهو كان في وسعه أن يستمر في ذلك لفترة طويلة لولا أن برودواي عادت وداعبت خياله هي ومسارحها الواسعة وفكرة الاحتكاك المباشر بالجمهور، فعاد إليها ليحقق استعراضات ضخمة ظل يواصل تقديمها وإخراجها حتى سنواته الأخيرة. وعلى رغم عودته بين الحين والآخر إلى هوليوود لتحقيق تلك الأفلام التي ستحقق من النجاح ما لا يقل عن نجاح مسرحياته... وفي بعض الأحيان كانت الأفلام مجرد نقل سينمائي لبعض تلك المسرحيات.

 

 

> في 1969 حقق بوب فوسّ أول فيلم سينمائي كبير حمل توقيعه وهو فيلم «سويت شاريتي» الذي اقتبس عن واحدة من أنجح المسرحيات التي عمل فيها في برودواي. أما مجده السينمائي الأكبر فحققه في 1974 حين أخرج «كاباريه»، الفيلم الذي عُرف به وظل علامة أساسية من علامات مساره السينمائي، حيث أنه عَرف في هذا الفيلم كيف يقدم مرافعة سياسية ضد النازية، في نفس الوقت الذي ظل فيه الفيلم فيلماً غنائياً موسيقياً مسلياً، وعملاً فنياً درامياً. وهذا النجاح كرره بوب فوسّ في 1979 حيث حقق «كل هذا الصخب» وهو فيلم موسيقي راقص يحمل في داخله بعداً ذاتياً واضحاً، حيث نجد المخرج كما أشرنا، يتنبأ بموته الخاص بأزمة قلبية، كما سبق أن أشرنا، وهذا الفيلم نال عدة أنواع من التكريم أهمها أنه سمي تسع مرات للفوز بجوائز الأوسكار. أما الأوسكار نفسه فلقد فاز به بوب فوسّ كمخرج عن فيلم «كاباريه».

 

 

> عندما رحل بوب فوسّ عن عالمنا، 1987، أجمعت الصحافة الأميركية، على أن السينما قد خسرت واحداً من أكبر الذين أغنوا عوالمها، وتذكرت جميعها، بخاصة، فيلم «كاباريه» الذي لا يزال يعتبر حتى اليوم واحداً من أهم «كلاسيكيات» السينما الأميركية.

 
شريط الأخبار الملك يرعى حفل جوائز الملك عبدالله الثاني للتميز الخارجية: لا إصابات بين الأردنيين جراء الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان حزب الله: قصفنا مستعمرة "جيشر هزيف" بصلية صاروخية الحكومة تقرر تخفيض أسعار البنزين 90 و95 والديزل لشهر تشرين الأول المقبل وفاة احد المصابين بحادثة اطلاق النار داخل المصنع بالعقبة البنك الأردني الكويتي ينفذ تجربة إخلاء وهمية لمباني الإدارة العامة والفرع الرئيسي وفيلا البنكية الخاصة الخبير الشوبكي يجيب.. لماذا تتراجع أسعار النفط عالمياً رغم العدوان الصهيوني في المنطقة؟ حملة للتبرع بالدم في مستشفى الكندي إرجاء اجتماع مجلس الأمة في دورته العادية حتى 18 تشرين الثاني المقبل (ارادة ملكية) الاعلام العبري: أنباء عن محاولة أسر جندي بغزة تسجيل أسهم الزيادة في رأس مال الشركة المتحدة للتأمين ليصبح 14 مليون (سهم/دينار) هيفاء وهبي تنتقد الصمت الخارجي بشأن العدوان الإسرائيلي على لبنان مشاهد لتدمير صاروخ "إسكندر" 12 عربة قطار محملة بالأسلحة والذخائر لقوات كييف كمين محكم للمقاومة الفلسطينية جنوبي غزة في أول تصريح لوزير الاقتصاد الرقمي سامي سميرات يعيد "نفس الكلام" !! أبو علي: 100 آلف مكلف المسجلين بنظام الفوترة الوطني الالكتروني البنك "الاستثماري" يفوز بجائزتين مرموقتين من جوائز الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية العالمية المستحقون لقرض الإسكان العسكري لتشرين الأول (أسماء) نائب الأمين العام لحزب الله: "إسرائيل" لم ولن تطال قدراتنا العسكرية.. وجاهزون لحرب برية متقاعدو الفوسفات يعودون إلى الشارع مجددًا: تعنّت الإدارة وملف التأمين الصحي يشعلان الاحتجاجات