اخبار البلد- بسام بدارين رائحة الصفقة على الأقل في حدود أعضاء لجنة الحوار الوطني الأردنية يمكن اشتمامها عند الإقتراب من أي مطبخ سياسي في البلاد، فتمرير فكرة نوعية من طراز 'قائمة نسبية على مستوى الوطن' ضمن قانون الإنتخاب الجديد تطلب تجاهل صفحة أساسية ومحورية في التشريع للمستقبل وهي صفحة المواطنة.
وهنا يمكن بوضوح وحسب التسريبات الأولية عن وثيقة الديباجة لمشروع الحوار الوطني الطازج في عمان رصد ملاحظتين في غاية الأهمية هما تجاهل الحديث عن المواطنة حتى بالصيغة التي وردت في ورقة الميثاق الوطني. وثانيا وهو الأهم التجاهل المقصود والتام لتعريف السؤال التالي 'من هو الأردني؟'.
وبدلا من تعريفات حاسمة ونهائية لقصة المواطنة الملتبسة والتي تثار كلما تحدث الناس عن الإصلاح السياسي يتوقع ان تلجأ لجنة الحوار الوطني لصياغات عامة ومكررة ومجترة عن تعزيز الوحدة الوطنية وعن معايير الحقوق والواجبات لكل الأردنيين.
وذلك يحصل في مطبخ رئيس اللجنة طاهر المصري لسبب واحد وهو التمكن من العبور من حقل الألغام الذي ستمر به حصرا وقريبا فكرة النص على قائمة نسبية وطنية في الإنتخابات المقبلة وبحجم قد لا يزيد عن 15 مقعدا في برلمان سينتخب على أساس قائمة للمحافظة.
وفكرة القوة الضاربة المسيسة في اللجنة كانت كالتالي: حتى نعبر بقصة القائمة النسبية علينا ان نتجاهل تعريف المواطن الأردني حتى لا نغرق جميعا بجدل لا نهاية له علما بان رئيس الوزراء الأسبق فايز الطراونة حاول المساعدة بالتأكيد علنا على أن الأردني هو كل من يحمل رقما وطنيا.
وعليه ستنتهي لجنة وطنية وموسعة ومسيسة بوثيقة للإصلاح السياسي والدستوري والإنتخابي في البلاد لن تتضمن أي إشارة لتعريف هوية المواطنة في الأردن رغم المرور بعبارات إنشائية عن تعليمات فك الإرتباط.
ذلك بلغة بسيطة يعني بأن مطبخ اللجنة لم يحسم القضية المركزية والأساسية التي تعطل كل إمكانات الإصلاح الحقيقي في الأردن وهي قضية المواطنة والديموغرافيا كما يرى الحقوقي النشط نضال منصور الذي يلاحظ بان تجاهل مثل هذا الموضوع المحوري يعني ان التكتيك على حساب الإستراتيجيات ويعني ان الحساسيات من نتائج الإصلاح السياسي ما زالت مقيمة في إذهان كثيرين.
عضو بارز في اللجنة أبلغ 'القدس العربي' بأن التركيز على تعريف من هو الأردني كان سيفجر الخلاف والإنقسام ويمنع اللجنة من إقرار مبادىء تاريخية مهمة من بينها وأهمها التوافق على إسقاط صيغة الصوت الواحد في الإنتخابات وهي الصيغة التي صمدت لأكثر من 17 عاما حتى الان.
فوق ذلك لا زالت قائمة الوطن النسبية تلقى معارضات داخل أروقة القرار والدولة، فالمستوى الأمني مثلا لا يتحمس لها على أساس انها جاذبة للإسلاميين، والمصري نفسه يعترف في الكواليس بأنها فعلا جاذبة للإسلاميين لكنه يرى بان جذب الإسلاميين وإعادتهم للعبة السياسية في مساحة الإنتخابات هدف أساسي للجنة وبالتالي لمصلحة النظام والدولة والجميع.
لكن تعليق مسألة تعريف المواطنة وعدم تجرؤ اللجنة على الوقوف عند هذه المحطة رغم فوائده التكتيكية يبقي بكل الأحوال مسائل أساسية معلقة تماما ويؤشر على ان النية تتجه لإصلاح سياسي وانتخابي هذه المرة لكنه منقوص قياسا بالمعنى المنهجي للإصلاح.
والدلالات تقول بان الديموغرافيا ومخلفات الصراع مع إسرائيل ورغم كل ما يقال عن فتح صفحة إصلاحية جديدة ما زالت عناصر أساسية ومستحكمة ومستقرة ليس فقط في عمق الإدارة البيروقراطية الأردنية ولكن أيضا في عمق السياق النخبوي برمته داخل لجنة المصري وخارجها.
المطبخ الإستشاري الأردني يطوي صفحة 'المواطنة' بدون قراءتها ويتجاهل في وثيقة الإصلاح الجديدة الإجابة على سؤال : من هو الأردني؟
أخبار البلد -