اخبار البلد_ لا يجوز أن تحرف استقالة الوزيرين الحسبان من وزارة الصحة ومجلي من العدل وتوضع في سلة فضيحة شاهين ، لأسباب عديدة ، أولها انه لا يجوز إصدار الإحكام الجزافية والاعتسافية والمسبقة والظالمة لعدم اكتمال التحقيق والخلوص بنتائج لان ذلك ببساطة يقع في إطار تصدير التهم واغتيال الشخصية وهو كلمة حق أريد بها باطل وممارسة فساد ومساهمة في تغطيته وليس كشفه .
ثم لا بد من الوقوف وتشخيص سيرة الوزيرين المستقيلين وسلوكهما : فالدكتور الحسبان رجل يحمل تاريخ عسكري وسجل ناصع البياض ، وقد حاول محاربة الفاسدين في الصحة وحاربوه ، لان الفساد في طبيعته حالة معقدة شبه مستعصية أفقدت الدولة جزءا كبيرا من هيبتها ، وخلفية الدكتور الحسبان كطبيب تجعل من شخصيته شخصية غير قادرة على ممارسة لعبة السياسة وقذارتها بما تشوبها من نجاسات مكيافيلية قذرة ، وتحتاج إلى تركيبة نفسية مناوئة قادرة على قيادة استنزاف مستعصية وعصية على الاتهام والباطل ترفضه وتنفيه حتى لو غرقت حتى الأذان ، وهو ما لا يتقنه الحسبان في مواجهة الحيتان ، تركيبة الحسبان كطبيب لم تساعده على مواجهة من يخلطون أوراق الحابل بالنابل في معمعة الاتهامات الجزافية في الشارع العام بالمصداقية والنظافة التي يتمتع بها فاستقال متعبا دون مقدرة على المتابعة ، وقد بدا أن الحسبان مستفزا من خلال ردوده على تخر صات الشارع ، ولو كان غيره من السياسيين من الملوثين والتبريرين لما استقال في مثل هذه الظروف مهما كلفت الظروف ، لسبب بسيط هو أن المتهمين من الفاسدين وأعوانهم جاهزون لاستغلال الفرصة لتلبيس الطواقي للآخرين وتحريك أسهم الاتهام وتصدير التهم والهروب والاختباء خلف المشهد ، وهو جزء من حالة خلط الأوراق التي يتقنها الملوثون في ى استغلال حركة الشارع العام وخداعه ،السياسيون الذين يمتهنون السياسة وقحون إلى حد تبرير الخطيئات مهما بلغت لا يستقيلون ، يتسعون العاصفة ويستأجرون المسبحين بنزاهتهم من الطبالين والرداحين ويضعونها كزوبعة في فنجان ثم لا يبالون ويمضون حتى النهاية !
وأما استقالة البخيت لا يوجد ما يثلمها وان شطّ البعض في تفسير رسالة الاستقالة ، وان محاولات البعض تطبيق نظرية انتقال المعارضة إلى الموالاة حسب منظور النظرية الشائعة ،خاطئة ، وفي اعتقادي من ذهب إلى الاستعانة بهذه النظرية لم يسعفه الاستدلال ، لان سلوك مجلي لم يحمل أي تحول وبقي موقفه كوزير في الحكومة كما لو انه معارض في أحزاب المعارضة ، ولم ينكث أو يحنث وبقي محافظا على المبادئ ، واستغل الفرصة ليواصل تنفيذ برنامجه فحمل كوزير مشروع الإصلاح في القوانين وفصل السلطات وإنشاء محكمة دستورية ، وكلف عدد كبير من محامين وباحثين في القانون ولديهم القدرة على مواكبة قوانين الشفافية والنزاهة لاستدراك الوقت لإعداد سيل هائل من القوانين الناظمة التي تحد من تغول السلطة التنفيذية وهو جزء منها وتنظم حياتنا السياسية كمجتمع مدني حديث، وقد خسر الكثير لمواقفه في المعارضة وخسر شعبيا في مجرد دخوله الحكومة ولكن كان له الفضل في إعداد عدد من القوانين الناظمة لحياتنا ضبطت إيقاع العدالة وبدلت قوانين كثيرة متهرئة بأخرى صالحة ، وقد بقي موقفه من الكيان الصهيوني على نسقه وأحرجت تصريحاته البخيت والدولة وخاصمه الرئيس ولم يصافحه حتى تصالحا ، وأحرج البخيت في قضية الدقامسة ولم يتغير موقفه ! فأين نظرية التحول من الكفر إلى الإيمان !
وأما قضية شاهين فقد كان تصريح مجلي في العموميات وحق الإنسان في الحياة والعلاج كحق متقدم على كل الأولويات وهو جزء من قواعد العدالة ولا ضير فيه ، ومعلوم أن مجلي رفض التوكل والترافع كمحام في قضايا الفاسدين في القطاع الخاص مقابل ملايين الدنانير لموقفه من سلوكهم فكيف ليسجل اليوم في نهاية العمر هذه المثلبة ، كنت أتمنى من الوزيرين الاستمرار لدورهم النزيه في مواصلة مهمة محاربة الفاسدين في الصحة وإنضاج القوانين في العدل ، ولمن قضى وحكم بنظرية التحول إلى الموالاة والإدراج في سلة شاهين ، اتقوا الله وانتظروا نتائج التحقيقات ، إلا إذا حققتم وعقدتم محكمتكم وأصدرتم الحكم وختمتم القضية ، حينئذ تلك هي الطامة الكبرى في الاغتيال وتشويه السمعة وخلط الأوراق وتصدير التهم !