ساعة الصفر
(هكذا الأمور تسير بالعادة.. عندما يكمل الحطابون تجميع المصائب سيكون هناك من يشعل الفتيل.. والجميع سينشغل في البحث عن اتجاه الريح هربا من الشرارة، بينما أبواب الجحيم مفتوحة بانتظار الجميع فلا مفر- إن لم نفهم الآن أننا جلسنا نستحلب حسن النوايا بينما الآخر يستحلب من خوفنا على هياكلنا.. وهننا).
بعض الأخبار التي نراها أحيانا بسيطة.. تأتي بدهاء.. فتحمل بعض العبارات التي تجعلها سلسلة، فالمتابع لشؤون البحار والمحيطات مثلا سيقرأ (في بحر العرب هناك سفينة مساعدات إيرانية تخطوا بسرعة 30 عقدة مثلا باتجاه الغرب وتواجه ريح بسرعة 50 كيلومترا بالساعة)، والمتابع للشؤون الإنسانية سيقرأ الخبر (أن هناك سفينة مساعدات إيرانية انطلقت حاملة للمساعدات الإنسانية لشعب البحرين)، والمتابع لأخبار أطفال العرب (هناك من قرر أن يفتح أبواب جهنم في الوطن العربي.. فالمؤامرة بدأت ببروفة سخيفة).
لا نتوقع أن تعترف إيران بفشلها في السياسة الداخلية والخارجية والاقتصادية.. وفي كل شيء، فالصراع المتعاظم بين المرشد الأعلى (للثورة) واحمد نجاد في إيران (وان نفى نجاد ذلك.. لكنه قائم).. فضحت القداسة المرسومة للولي الفقيه الرمزي بكل أجزائه وتفاصيله الغيبية، والانهيار الاقتصادي أصبح حتمي والانتفاضة الشعبية في إيران والأحواز العربية ساعدت على كشف الوجه القمعي الدموي لنظام اشتهر بالمزايدة على العالم بالقيم المفقودة عنده، وزاد في كمية الفشل توالي تساقط النسخ الإيرانية من الفزّّاعات والمزروعة في بلاد الشام وبغداد والضاحية الجنوبية والخلايا النائمة في البحرين والكويت.
أدى هذا الانهيار للمنظومة الإيرانية إلى المساهمة في كشف تفاصيل خرائط الطرق التي وضعها مكتب تصدير (الثورة) لتعميم النموذج الإيراني في استعباد العامة لصالح المعممين (استخدام العقيدة الصفوية لصالح المشروع المركزي للتحكم بالعامة)، ومن هذه التفاصيل يمكن استقراء الخطة البديلة في أجندة المصنع الإيراني ووكلائه في المنطقة.
فمن المتوقع الآن أن تتحرك المنظومة باتجاهات عدة لإزاحة الضغوطات الشعبية والدولية المركزة على رؤوس الحراك الإيراني بما فيه فروعه العربية التي بدأت بالكشف عن أنيابها دفاعا عن مراكزها المغتصبة أصلا.. وكذلك لجأت هذه المنظومة الى إعادة رسم الهالة الوطنية على كياناتها وتجمعاتها بعدما انكشفت هذه (الوطنية) كوسيلة قصيرة الأمد انتهت صلاحيتها مع انكشاف حقائق اقلها تصريحات بالتنسيق المشترك مع العدو الصهيوني لإدامة الاستقرار على ساحة الجولان مثلا.
إذا أصبح من المتوقع أن تبحث إيران وبناتها عن تصعيد للفوضى واستغلال للثغرات السياسية والضياع الفكري للعامة مع التراكم السريع للأحداث الثقيلة.. وأصبح متوقعا منها العمل بالسرعة المضاعفة لإتباع الصدمة التي لحقت أتباعها وحلفائها بالوضع الحقيقي للمنظومة بصدمات أخرى قد تعوضهم عن خيبات الأمل الناتجة عن الفشل الذريع للمشروع الذي كان يترنح للسقوط لهشاشة التكوين أصلا.
وحيث أن إيران عودتنا بالهروب عن المصائب بالمصائب لذا فمن المتوقع أن يشمل السيناريو المحتمل تحركات إيرانية متناغمة مع الحاجة لخلط الأوراق والهروب للأمام بالبرتوكولات الموضوعة منذ انطلاق (الثورة) الإسلامية في طهران. وسنتوقع بالمقابل تحركات إسنادية من الأذرعه المرتبطة عضويا معها وبما يضمن تكامل وتناوب للعمليات القذرة المتوقعة بين قوات الباسيج التي بدأت بالتكوم في بحر العرب من (البصرة ولغاية مضيق هرمز) وما بين والخلايا النائمة المزروعة في الخليج العربي سابقا لهذه المهمة.
لذا فمن المحتمل أن المرحلة الجديدة ستقوم بإعادة إحياء للمؤامرة السابقة في البحرين ومضاعفة حدتها ليتم بعدها توسيع الدائرة في محاولة لتوريط معظم السلطات الخليجية بمواجهات ستكون حتمية أمام تأزيم متصاعد من قبل خلايا نائمة ستأخذ على عاتقها لعب دور (الثوار) في بعض مناطق الخليج العربي، وبالمقابل ستكون البحرية الإيرانية في مهمة (إنسانية) لدعم هؤلاء (الثوار) لتقتحم الأمان في أجزائنا الساكنة.
ومن يجيد قراءة التاريخ القريب للأمة العربية ويحلل كيفية انطلاق المصائب والنكبات والتغييرات عليه أن يضع في حسبانه (من باب الاحتياط على الأقل) أن هناك (ساعة صفر) تحددت لإشعال الجبهات الساخنة أصلا لتزداد سخونة ولهيبا لتسحب الأنظار بعيدا عن المأزق الإيراني وتساعد في تحويل شخصية الكيان الإقليمي من دولة مأزومة بتراثها ومغلقة.. الى إمبراطورية مسيطرة بعقيدتها بفعل (الزعبرة).
ساعة الصفر التي أصبحت مطلبا لدى اللاعب الإيراني ومطلبا ملحا لاذرعتها (العربية) لإنقاذها بعد كشف عورتها خاصة في سوريا والتي تدور فيها حرب مجنونة على الشعب السوري لإكمال مهمة تدجين ما سيتبقى من الشعب بعد العمليات (البطولية) للجيش السوري في الجولان.. عفوا في شوارع حمص والعربضة وتلكلخ ودرعا وكفرإنبا، وكذلك لتساهم هذه الانطلاقة الجديدة المتوقعة من الفوضى المطلوبة إيرانيا في فك الأزمة السياسية التي عمل على صنعها حزب الله في لبنان وأدت الى تعطيل البلد بعد فرط الحكومة ووضع كل التعقيدات أمام تشكيل أخرى.
إذا جميع العوامل تشير الى اقتراب المأزق الإيراني من مرحلة الانفجار بما يجعلنا نشك بوجود (إضافة لما سبق) لبنود في الخطة الإيرانية لعملية إخراج العفريت العراقي ذو المواصفات الإيرانية من جنوب العراق باتجاه الكويت وما بعد الكويت حيث يقوم ما يسمى جيش المهدي بأعمال المناورات لذلك من أكثر من سنة ويدل على ذلك السكون الكبير في الساحة العراقية الرسمية في انتظار الانسحاب الأمريكي من العراق نهاية هذا العام، وقد يساعدنا ذلك في فهم التصريحات الاستفزازية أحيانا باتجاه الخليج العربي من هذه الكيانات السياسية العراقية الهجينة (تصنيع إيراني مثل المالكي).. وكذلك تهديدات مقتدى الصدر قبل شهرين حول عودة مليشياته بأي لحظة لم تعجبه فيها مجريات الأمور في المنطقة..!
ولعل خطاب اوباما الأخير يوم الخميس الذي بحث عن تثبيت لمصالح الكيان الصهيوني والغربي في المنطقة قد أعطى الضوء الأخضر بطريقة ما للمنافس الإيراني على هذه المنطقة للتعجيل في إنهاء المهمة حين لم يتطرق بالشكل المباشر لوجوب تنحي القيادة السورية ( كما فعل مع حتى حلفائه في مصر وتونس مثلا)، ولم يعطي كذلك أي تصريح جدّي حول الوضع السياسي المتأزم داخليا في لبنان أو إيران أو العراق والتي شاركت بتناغم جميع الأذرع الإيرانية في صنعها, ولم يلتفت كذلك في خطابه الى العفريت العراقي المتحفز للانطلاق هربا للأمام نحو الكابوس (المحافظة الثامنة عشر – الكويت) خاصة بعد افتعال التنافر على اثر توسيع الميناء الكويتي، ولم يتخطى خطابه النصائح واللوم الناعم لهذه المجموعة بما لا يتجاوز مصطلح (خلصونا خذوا حصتكم ولا تفضحونا).
إن الاستعداد لساعة الصفر (مع احتمالية بسيطة لعدم وجودها) أفضل بكثير من حتى مجرد التفكير بأن مقتدى الصدر سيكون والي منطقة (الخليج العربي لا سمح الله) وان حسن نصر الله ربما يكون والي بلاد الشام مجاورا حميما للكيان الصهيوني بعد انتهاء التمثيلية (المقاومية)..
جرير خلف