لكننى أعترف اليوم بأننى أخطأت ، وأننى أسرفت فى الأحلام والأوهام ، وأن كثيرا مما تفعلون الاّن لا يبشّر بخير أو أمل فى تغيير حقيقى يفترض أن تحدثه دماء وتضحيات شهداء وجرحى الثورة من فلذات أكبادنا .
ولا يخفى على أى مراقب فاحص أن كثيرا مما يحدث الاّن ما هو الا اجهاض فعلى لكل أحلام الثوار أو معظمها ، وأخشى أن نكتشف -بعد بضعة أشهر أو أقل - أننا لم نزد على استبدال وجوه بأخرى ، وأنه لا جديد تحت شمس مصر !!
ليس معنى مساندتنا لكم أننا أعطيناكم شيكا على بياض لتفعلوا بمصر وبنا ما شئتم بغير حساب ، فوالله ما أنتم بأعتى ولا أشد جبروتا من مبارك ورهطه ، وما خلعكم على الله بعزيز .
وسوف تتعرضون للمساءلة والمحاسبة كغيركم اليوم أو غدا ، فلا أحد فى هذا البلد (على رأسه ريشة) وقد بدأ الشعب يضيق بتصرفات أقل ما يمكن قوله عنها أنها غريبة مريبة لا تبعث على الاطمئنان أبدا .
وسأذكر هنا بعض الأمثلة اذ لا مجال للحصر فى مقال قصير واحد .
والمثال الأول هو تعيين المحافظين الجدد .. ألم تقم الثورة لكى يختار الشعب من يحكمونه على كل المستويات ؟!! فان أبيتم الا التعيين ، فهل استشرتم أحدا فى حركة المحافظين ؟!!
هذه الحركة جاءت بأغلبهم من رجال العهد البائد ، أى الحزب الوطنى ومباحث أمن الدولة فضلا عن عدد كبير من العسكريين ؟!!! وكانت النتيجة لهذا الانفراد بالقرار أن ثار الناس فى عدة محافظات بسبب سوء الاختيار !!
والمثال الثانى هو تعيين يحيى الجمل نائبا لرئيس الوزراء ، ورغم أخطائه وخطاياه التى أثارت عاصفة من السخط الشعبى تأبون عزله أو حتى تحجيمه !! أليس هذا هو بعينه عناد مماثل لما كان عليه المخلوع ؟!!
ولا ننسى أنكم احتفظتم فترة برجل مبارك أحمد شفيق رئيسا للوزراء ، ولم تعزلوه الا مضطرين تحت وطأة الثورة ، وهناك اتهامات عديدة ببلاغات رسمية ضده ، ولا أدرى ماهو السر فى التعتيم على التحقيقات معه ان كانت قد بدأت أصلا !!
وبالمناسبة : لقد أكد سامح فهمى وزير البترول السابق أن الصفقة الفضيحة لتصدير الغاز الى اسرائيل بأقل من ربع سعر التكلفة قد تمت بتعليمات صريحة ومباشرة ومكتوبة من عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات فى ذلك الوقت .فلماذا لم يتم استدعاؤه أمام النيابة العامة حتى الاّن ؟؟!!
دعوا عنكم حكاية الأمن القومى التى تتخذ الاّن ستارا لاخفاء جرائم البعض ، فان العالم كله يعرف أدق تفاصيل الفضيحة ، وهى ليست شأنا عسكريا محظورا ، ولا مفر أمامكم من الافصاح عن كل صغيرة وكبيرة بشأنها ، والا فسوف يتهمكم الشعب بالتواطؤ ، وحق له أن يفعل ان استمر الحال على هذا النحو .
ومن أعطاكم الحق فى التنازل عن دعوى وحق الشعب ضد الفاسدين مثل سوزان مبارك ؟!! ومن الذى تنوون التصالح معه بعدها على حساب جثث الشهداء ودماء الجرحى؟؟!!
وهل تحسبون أنه يمكن لكم أو لغيركم أن يضحك على أذقاننا بفتات الموائد ،بينما الجزء الأكبر من الوليمة تم تسريبه خارج الحدود ؟!!
هل تحسبون أن الشعب المصرى العبقرى لا يرى ولا يسمع ولا يفهم ما يدور وراء الكواليس؟؟!!
وما بال محمد حسنين هيكل يمهّد لتأجيل الانتخابات ، وتجميد الديمقراطية ، فى أكبر صحيفة قومية على مدار أيام وصفحات ، وهل لهذا علاقة بالاعلان بعدها مباشرة عن مشروع قانون (للتصالح) مع المتهمين فى قضايا الفساد ومنهم نجلى الأخ هيكل نفسه ؟؟!!!
هل (قدّم هيكل السبت ليجد الأحد ) كما يقول المثل الشعبى القديم ؟!!
ثم كيف واتتكم الجرأة لاهدار أحد أهم مطالب الثورة بهذه السرعة الفائقة ، ليعود جهاز مباحث أمن الدولة الاجرامى الفاسد تحت اسم جديد ؟!! وكيف تشيدون بدوره الارهابى الفاشى فى العهد السابق ؟!!
فيم كانت الثورة اذا ؟!!
و هل يحق لنا أن نفهم من هذا أنكم لا تختلفون عن المخلوع فى كثير أو قليل ، وانما هى طبيعة المرحلة التى فرضت عليكم مهادنة الثوار وامتصاص غضب الشعب ، و(الضحك علينا) وتخديرنا ببعض الاجراءات (المؤقتة) حتى يهدأ الشارع ، فترجع (ريمة الى عاداتها القديمة)؟؟!!!
وبالطبع يرى الجميع بوضوح كيف بدأ (السيناريو) الذى تكرر من قبل ، وهو الحصول على دعم التيار الاسلامى الكاسح ، الى أن يستقر الحاكم الجديد على كرسيه ، وتستتب له الأمور ، فيبدأ القمع والضرب بلا رحمة ، لاصطياد عدة عصافير بحجر واحد ،و منها تأمين الكراسى ، و الافلات من مساءلة الحكام عن التجاوزات ، واستجابة لأوامر السادة أولى المعونات ، وحرصا على العلاقات ، مع ( دولة شنودة) ذات الشوكة والارتباطات !!
وقد رأينا خلال الأيام القلائل الماضيات مؤشرا خطيرا واضحا هو بدء حملة اعتقالات واسعة فى صفوف السلفيين ، رضوخا لأوامر بلطجية الأقباط ، الذين يقطعون الطرقات ويتلفون الممتلكات فى منطقة ماسبيرو ، كما طلبوا صراحة دعم أمريكا واسرائيل ضد الجيش المصرى بلا حساب أو عقاب !!!
ماذا تدبّرون أيها الحكام ؟؟!!!