حياة مثيرة وموت أشد إثارة لمنجنيق الدولة الإسلامية أبو محمد العدناني؛ إذ تلخص سيرته الجهادية مسارات الجهادية العالمية وجدالاتها وانقساماتها وصراعاتها وتوجهاتها ومآلاتها فقد عايش العدناني تحولات الجهادية من المحلية إلى الإقليمية فالعالمية وصولا لاندماج الأبعاد الجهادية وكان شاهدا وصانعا ولسانا يتمثل تطور الحالة الإيديولوجية والقتالية للجماعات الجهادية من النكاية إلى التمكين مرورا بالتوحش ولا يمكن لمن أراد فهم الجهادية بأطوارها تجاوز خطاباته النظرية وممارساته العملية فقد حفلت مسيرته بتجارب ومنعرجات وتحديات حيث تدرج في حياته من الجندية إلى الإمارة واختبر السجون والاعتقال وجمع بين المعرفة والخبرة في شتى المجالات الحربية والإعلامية والشرعية.
لا أحد يجادل حول أهمية العدناني وموقعه الاستثنائي في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية؛ نظرا لمواهبه المتعددة وشخصيته الكارزمية وقدراته الخطابية الفائقة، ولا عجب أن تتسابق وتتنافس الدول والجماعات على نيل شرف قتله وكان الجيش العراقي قد أقرّ بفشله باغتيال العدناني بعد استهدافه بغارة جوية في مدينة حديثة في محافظة الأنبار في السابع من يناير/كانون الثاني 2016 وأعلن مجلس محافظة الأنبار وكذلك "هيئة الحشد الشعبي" وفاته في تلك الغارة.
عقب إعلان "وكالة أعماق" التابعة لتنظيم الدولة في30 آب/ أغسطس 2016 أن "الشيخ أبو محمد العدناني المتحدث باسم تنظيم الدولة الإسلامية قتل خلال متابعته للعمليات العسكرية لصد الهجمات على حلب" أكدت الولايات المتحدة أنها استهدفت سيارته بواسطة طائرة من دون طيار في محيط مدينة الباب من دون أن تؤكد مقتله ثم سارعت موسكو إلى القول إن طائراتها هي التي قتلت الرجل عبر غارة جوية، الأمر الذي وصفه البيت الأبيض بالقول "هي مزحة"، ولم تقتصر مزاعم قتل العدناني على الدول فقد ادعت مجموعة من الفصائل المسلحة في شمال حلب مسؤوليتها عن مقتل العدناني أثناء الاشتباكات في محيط جرابلس أمثال "قوات سوريا الديموقراطية"، كما ادعت مصادر في قوات "درع الفرت" مسؤوليتها عن قتله.
لكن التكهنات لم تقف عند ذلك فقد ادعت مصادر بعض الفصائل المسلحة أمثال "الأصالة والتنمية" أن العدناني قتل بعملية اغتيال ضمن تصفيات داخل التنظيم على يد أمير الرقة أبي لقمان علي موسى الشواخ من خلال عبوة لاصقة وهي رواية يؤيدها الباحث تشارلز ليستر بل إن أبو محمد المقدسي المنظر الجهادي العالمي الأبرز يقترب من هذا السيناريو من خلال تعبيره عن الخشية من تولي أبي لقمان لمنصب العدناني حيث وصف المقدسي هذه الشخصية بأنه "المسيّر الفعلي للدولة في الشام وهو رأس الغلو وصاحب كل السياسات الفاسدة مثل طمس الرموز وإسقاط القاعدة وتكفير الفصائل".
أهمية العدناني ودوره البالغ في صعود تنظيم الدولة الإسلامية برزت من خلال إعلان فصائل وشخصيات جهادية فرحها بمقتله فقد أعلن شيخ الفصائل السورية في "جيش الفتح" السعودي عبد الله المحيسني فرحه بمقتل أبو محمد العدناني وقال في سلسلة تغريدات: "الحمد لله الذي أهلك قائدا من قادة خوارج العصر، المسمى أبو محمد العدناني ناطق تنظيم الدولة وأحد أبرز قادة التنظيم الكبار"، كما عبرت حسابات لقيادات معروفة في التنظيمات السورية وشيوخ وإعلاميين معروفين عن شماتتها بمقتل العدناني.
نظرا لأهمية العدناني وتصدره المشهد الإعلامي لتنظيم الدولة الإسلامية عكف أحد كبار شرعيي التنظيم البحريني أبو سفيان تركي بن مبارك البنعلي على كتابة سيرة شخصية موجزة للعدناني بعنوان "اللفظ الساني في ترجمة العدناني" بتاريخ 26 أيار/ مايو 2014 حيث سيصبح اللقب الذي أطلقه عليه "منجنيق الدولة الإسلامية" من أشهر ألقابه على الإطلاق، وقد أورد البنعلي في سيرته أهم مراحل حياته وكيفية انتسابه إلى التنظيم والمناصب التي شغلها فيه وتناول أهم مؤلفاته.
بايع العدناني أبو مصعب الزرقاوي عام 2000 قبل الاحتلال الأميركي للعراق بثلاث سنوات وكان عمره لا يتجاوز اثنين وعشرين عاما فهومن مواليد سوريا عام 1977 في بلدة بنش قرب مدينة سراقب في محافظة إدلب واسمه طه صبحي فلاحة وكان له عدة أسماء مستعارة منها طه البنشي وياسر خلاف حسين نزال الراوي وجابر طه فلاح وأبو بكر الخطاب وأبو صادق الراوي، وبحسب البنعلي، فإن العدناني نشأ في صغره على حب المساجد والمطالعة وأنه "كان يقرأ كل ما يقع في يده بما فيها من كتب لغة وفلسفة وغيرهما وحفظ القرآن الكريم في أقل من عام"، وقد استدعي العدناني من جهاز أمن الدولة السوري مرارا وخضع للتحقيق وسجن ثلاث مرات بسوريا "على خلفيات دعوية وجهادية" ويذكر البنعلي أن للعدناني عددا قليلا من الكتب في شكل شعر منظوم أو نثر منها كتاب ومنظومة شعرية حول فقه الجهاد، وكتاب "السلسلة الذهبية في الأعمال القلبية" و"معينة الحفاظ" الموجه لحافظي القرآن وقصيدة "القاعدي" للرد على بعض منتقدي القاعدة إبان وجوده ضمن صفوفها، وبحسب البنعلي فإن العدناني درّس كتب العلوم الشرعية لأعضاء تنظيمي القاعدة والدولة خلال وجوده بهما، ومنها كتابه "في فقه الجهاد ومسائله"، واهتم بتدريس كتب حول قواعد الإيمان والكفر واللغة والنحو.
اكتشفت المخابرات الأميركية أنها اعتقلت العدناني وزجت به في سجن "بوكا" المخصص للمعتقلين الإسلاميين المتشددين وذلك في 31 أيار/ مايو 2005 في محافظة الأنبار العراقية لكنه نجح في خديعة القوات باستخدامه اسما مزورا، وهو ياسر خلف حسين نزال الراوي، ولعدم إدراك قوات التحالف أهميته قامت بالإفراج عنه عام 2010، ومن أهم المناصب التي شغرها العدناني العمل كمدرب في معسكر حديثة أيام التوحيد والجهاد، ثم أمير حديثة بتنصيب الزرقاوي، ثم مدربا في معسكر الجزيرة، وشرعي القاطع الغربي في الأنبار، والمتحدث الرسمي لدولة العراق الإسلامية ثم للدولة الإسلامية في العراق والشام المتحدث الرسمي للدولة الإسلامية، وهو أول من بدأ العمل الجهادي في حديثة هو وثلاثة عشر شخصا، إلى أن استقلت حديثة على أيديهم، وكان تحت إمرته آنذاك أبو عمر البغدادي أول أمير لدولة العراق الإسلامية، وقد أصدر العدناني منذ توليه منصب المتحدث الرسمي للدولة الإسلامية 22 تسجيلا صوتيا كان آخرها في العدناني في أيار/ مايو 2016 بعنوان " وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَة والذي حرّض فيها على التوسع في العمليات الخارجية وتفعيل الذئاب المنفردة باستهداف الدول الغربية.
صنفته الولايات المتحدة الأمريكية لاحقا كـ"إرهابي عالمي" وقالت إنه أحد المقاتلين الأجانب الأوائل الذين يعارضون قوات التحالف الذي تقوده في العراق منذ عام 2003 وكشفت الاستخبارات الأميركية أن اعتداءات باريس التي وقعت في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 وتفجيرات برج البراجنة في ضاحية بيروت خضعت لإشراف مباشر من العدناني وفي الخامس من أيار/ مايو 2015، أعلنت الخارجية الأميركية أنها ستمنح مكافأة يبلغ قدرها خمسة ملايين دولار مقابل معلومات عن العدناني.
لعل السؤال الأهم الذي شغل العالم هل سيؤثر غياب العدناني على تماسك تنظيم الدولة الإسلامية ومن الذي سيخلف العدناني كناطق باسم التنظيم ويبدو أن الجميع يقر بأن العدناني خسارة كبيرة لكن يمكن تعويضها فقد برهن التنظيم على قدرته على الاستمرار والتطور رغم خسارته قيادات لا تقل أهمية عن العدناني أمثال حجي بكر والبيلاوي وأبي علي الأنباري وأبي مهند السويداوي وأبي مسلم التركماني وعمر الشيشاني وغيرهم أما خلافة العدناني كناطق باسم الدولة وترجيح تعيين تركي البنعلي أو أبي لقمان فهي ممكنة لكنها ضعيفة.
خلاصة القول أن تنظيم الدولة الإسلامية مني بخسارة كبيرة بغياب العدناني لكنه قادر على تعويضه بعشرات من تلاميذ العدناني فالخبرات التراكمية لتنظيم الدولة الإسلامية برهنت على مدى سنوات على قدرتها على التكيّف والانبعاث من جديد وإذا تمكن التنظيم من الصمود في وجه التحالف الكوني بالحفاظ على بعض الملاذات الآمنة فنحن بصدد جيل جهادي يصعب التنبؤ بطموحاته ومدى عنفه على صعيد الخطاب والممارسة الجهادية.