ما حدث في الكرامة في ذكرى نكبة فلسطين, هو أمر كغيره يندى له الجبين, ولكن الذي يندى له الجبين أكثر, هو الإنجرار العاطفي الذي ما فتئ الناس انجرارا نحوه.
الأردن, كدولة سيادية على أراضيها, هي دولة مؤسسات مدنية, ولها الكثير من المعاهدات والإتفاقات الدولية والإقليمية, والتي تعكس خط سير البلاد وتوجهاتها. من هذه المعاهدات, هي معاهدة وادي عربة, مع دولة إسرائيل, هي معاهدة سلام تقتضي عدم الإعتداء من أي دولة على أخرى, وما يتبع ذلك من المشاركات السياسية والإقتصادية على مستوى الدولتين.
في أحداث الكرامة, قرر المشاركون التوجه نحو الحدود لتطأ أقدامهم أرض فلسطين الطاهرة, والتي تحكمها دولة إسرائيل. هذه الدولة, قد وقعت اتفاقية مع الأردن, ولا يجوز لأفراد أي من الدولتين, اختراق الحدود بدون أي تنسيق رسمي, فما فعله المواطنون, كان فعلا غير قانوني مطلقا, وإنما كان بانجرار عاطفي تجاه القضية المحورية, فلسطين.
هذا الفعل, كغيره من الأفعال التي سبقتها, تقودها العاطفة المطلقة, ومن وجهة نظر الدولة, فلها حق الدفاع عن سيادتها واتفاقياتها مع أي كان, المشكلة هنا, أنها مع دولة صهيون, مما يجعل الموضوع ذو حساسية كبيرة, حكومية كانت أم شعبية. في نهاية الأمر, تظهر الحكومة بمظهر المدافع عن إسرائيل, العدو بنظر الشعوب, وتظر الشعوب بمظهر الضحية!!!
مما نشر من فيديوهات وصور وأخبار, كان هناك ليس فقط تعدي من رجال الدرك, ولكن, كان هناك أناس قاموا بضرب الدرك وعلى مرأى الجميع كما هو واضح من الفيديوهات, وبين البيضة والدجاجة, والرواية الرسمية والرواية الشعبية, تضيع الحقوق, وتضيع القضية, والأهم, هو ما يضيع من حماس لحل القضية وكيفية اللعب بها سياسيا, والنتيجة التي يخلص إليها المراقب المخلص للأحداث, هي الجملة الشهيرة "ليس هكذا تؤكل الكتف أيها الشعوب".
ما مجلس النواب إلا إفرازا لأصوات الشعب الذين يشاركون بالإنتخابات, ولكن, ما غيب عن إدراك الشعوب, هي قضية الإستفتاء العام على القضايا الجوهرية التي تمس مصالح البلد العليا, وهذا ما يجب أن يرجع لأذهان الشعوب, كي تمارس الشعوب حقوقها السياسية العليا, ولا تنخدع بالعملية السياسية الغربية, بإفراز مجلس نواب لا يسمن ولا يغني من جوع, ينهي حق الشعوب السياسية, بمجرد وضعها ورقة في صندوق انتخاب, كي تسلم إرادتها السياسية بالكامل.
ما يندى له الجبين أكثر, هو التعليقات التي بدأ يبثها جميع الناس تجاه إقليمية بغيضة ما أسرع لها أن تنتشر فيما بينهم, وهناك الكثير مما وممن يغذيها, لأهداف عند البعض, ولجهل عند المعظم. رفض الوطن البديل لا يتم من خلال كسر الحدود لدولة أخرى, بينها وبين الدولة الأردنية, معاهدة سلام, وكسر هذه الحدود, هو كسر لسيادة الأردن على أراضيه, وله الحق القانوني بالدفاع عن سيادته بالشكل الذي يراه مناسبا, وحسبما يتطلب الأمر, وهذا هو التصريح الذي يمكن لأي سياسي أو أمني إطلاقه من موقع عمله.
العدو لعاطفة الشعوب, هو دولة إسرائيل, ونحن شعب الأردن, نعيش في دولة وقعت اتفاقية سلام مع هذه الدولة, فمن أراد رفض الوطن البديل, وعدم موت القضية الفلسطينية على الأرض ومن أذهان الشعوب, وحتى يكون الفعل السياسي منتجا للشعوب, فهناك أكثر من ورقة سياسية يمكن للشعب الأردني بكل أطيافه المخلصة, أن تبدأ العمل عليها, وعلى المستوى الشعبي لا الرسمي, كي يتم مراد الشعوب بعدم كسر إرادتها السياسية. ومن هذه الأوراق, قضية المواطنة والجنسية الأردنية للاجئين والنازحين الفلسطينيين, وأقصد 1948م و 1967م, وأي شخص ما بعد هذين التاريخين يتمتع بمواطنة أردنية. قد تختلف وجهات النظر لموضوع الجنسية الأردنية ومن يستحقها أو من لا يستحقها, ولكن, يجب على جميع من تم تهجيره من فلسطين, سواء حصل على جنسية من الأردن أم لم يحصل, أن يطالب وبكل قوة أن يحمل الجنسية الفلسطينية, وأن يكون له حق سياسي على أرض فلسطين, وأظن أنه لا يختلف أي من الناس على هذا الموضوع, ولكنه مغيب عن الذهن, ولأن القوانين تمنع الإزدواجية في الجنسية, فالقوانين ليست قرآنا, ويمكن تغييرها! ويمكن أيضا, أن يتم التكفل بحق الحياة بكل أشكالها, وانتفاء الحق السياسي عن فلسطينيي الأردن, إن كانت هذه هي المعضلة.
الموضوع الأهم, هو موضوع معاهدة وادي عربة, وكيقية الرد الشعبي عليها منذ أن تم توقيعها إلى الآن. الرد الشعبي كان هزيلا, وما زال ينحدر بمستوى تدريجي إلى أهزل من هزيل. فما فتئ العمل على توجيه الشعوب نحو أفعال غير منتجة تدعو إلى مقاومة التطبيع كي يسمو اسم فلان هنا وهناك, ولكن, وعلى الأرض, لا يغير شيئا من الواقع المرير بوجود معاهدة مع دولة صهيون. فبما أن العدو العاطفي للشعوب, هو دولة إسرائيل, وكي لا يكون الشعب في مواجهة أمنية مع الدولة الأردنية محاولا تخريب سيادتها على أراضيها ومع إسرائيل بحكم وقعت الدولة معاهدة سلام معها, فلماذا لا تتم عملية الإستفتاء الشعبي على المعاهدة مع إسرائيل؟ وبما أن المستوى الرسمي لن يقوم بهذا الفعل, فلماذا لا يتم على المستوى الشعبي, وبكل سلمية وحضارية مطلقة, وبالقانون!!! أن تتم حملة مليونية شعبية لإلغاء معاهدة وادي عربة, وعلى طريقة الإستفتاء الشعبي, يقوم كل من يؤمن بأن هذه المعاهدة هي معاهدة خزي وعار على الأردن, بالتوقيع باسمه الكامل, مرفقا برقمه الوطني كي لا يقول قائل بأن الأسماء وهمية, ومن ثم المضي قدما قانونيا وقضائيا لإلغاء المعاهدة, فهذه لن تكون مظاهرة يقوم بها مخربون أو مندسون أو سلفيون أو أي اسم آخر تقوم السلطات الرسمية بإطلاقها عليهم, حقا كانت أم لم تكن, وإنما هي إرادة شعبية لأعداد مليونية كلهم فوق الثامنة عشرة من العمر يطالبون بإلغاء المعاهدة المذكورة... "هكذا تؤكل الكتف"...
ويبقى السؤال: هل يستطيع الشعب الأردني, جمع كلمته على إلغاء المعاهدة؟؟!!