ترامب «مهرّج» بامتياز. لكنه مهرج شرير وديمقاق، بمعنى أنه يوظف الغمز والتلميح ونشر الإشاعات التي يختلقها لتثير عنصرية كامنة أو عنصرية صريحة. وهذا سبب من الأسباب التي مكّنته من الفوز غير المتوقع بترشيح الحزب الجمهوري. فهو نجح في قول ما يتردد داخل كل عنصري من مشاعر لا يجرؤ على قولها أو لا يعرف كيف يصيغها، إضافة إلى مئات الآلاف من العاطلين من العمل ممن فاتهم التعليم الكافي للتكييف مع التغيرات التقنية المذهلة.
فسلّط أقوى أسلحته ضد فقراء المهاجرين والأقليات الأميركية، واستغلّ الشنائع التي ارتكبها إرهابيون باسم الإسلام سبق أن احترفوا الرذيلة والشعور بالاغتراب عن النفس إلى درجة تمنّي التخلص منها. وهذا كان كافياً لفوز ترامب بترشيح الحزب الجمهوري بعد أن انضمّ إلى المسجلين باسم الحزب الجمهوري، وهم المحطمون البيض من الديموقراطيين العاطلين من العمل بعد أن قال ترامب لهم إن حرية التجارة الدولية هي التي أدت إلى فقد مصدر أرزاقهم.
وإذا كانت حرية التجارة الدولية بكل تأكيد أدت إلى بطالة الكثيرين، فإن الاقتصاديين الجادين شبه متفقين على أن حرية التجارة تنفع الاقتصاد الكلي لكل دولة على حدة، لأنها تؤدي إلى تخصص كل أمة منتجة بإنتاج بما لديها من ميزة نسبية في إنتاجه. وحال الاقتصاد الأميركي أفضل من حال اقتصاديات معظم دول أوروبا واليابان.
لكن هذه قصة أخرى، والمقصود أن ترامب استغل مخاوف الناس وتوجساتهم المعيشية والاجتماعية والأمنية. وتاريخياً، الولايات المتحدة مغناطيس جذب المهاجرين من كل مكان، لأنها موطن تكافؤ الفرص والتفاؤل بمستقبل أفضل.
وكل مواطن أميركي، ما عدا سكانها الأصليين منذ آلاف السنين، هاجروا أو هاجر آباؤهم وأجدادهم من بلد آخر، بما في ذلك ترامب الذي هاجر جده من بلدة ألمانية، وكان اسمه «ترامبف» وليس كما حوّلوه في ما بعد إلى ترامب.
وبعد انتهاء مؤتمر الحزب الجمهوري، تخيّل ترامب أن الأدوات الملوثة بالكذب والخداع والمغالاة واختلاق الإشاعات وشتم الخصوم السياسيين بأشنع الأوصاف، لا محالة ستحقق له الفوز بالرئاسة الأميركية. فانبرى له الخيرون من كل حدب وصوب، بمن فيهم نفر من كبار منسوبي الحزب الجمهوري، وحاسبوه على كل ما قاله من أقوال تعكس عقلاً صغيراً ونفساً فاسدة حينما يكون على سجيّته الشريرة. وكلما حفر لنفسه وبنفسه حفرة، ظن أنه سيخرج منها كما كان يفعل ضد خصومه من المرشحين الجمهوريين الذين كان بعضهم يضمر ما يصرح به ترامب نفسه. لكن حفرة ترامب تزداد عمقاً كلما توجهت الأنظار إليه، على رغم أن خصمه هيلاري كلينتون ليست محبوبة. غير أن عامة الأميركيين يعرفون نقائص هيلاري وفي الوقت ذاته لا يجهلون أنها بخلاف ترامب، امرأة عاقلة ومتوازنة حذرة، لن توظف أسلحة التدمير الشامل من دون أن يكون توظيفها حياة أو موتاً بالنسبة إلى بقاء الولايات المتحدة الأميركية.
ومنذ انتهاء مؤتمر الحزب الديموقراطي، الذي كان بعد مؤتمر الجمهوريين بثلاثة أيام، أظهرت جميع وسائل استطلاع الرأي العلمية تفوّق السيدة كلينتون بنسبة أعلى من حيث مجموع عدد الأصوات الفردية، ومن حيث مجموع عدد أصوات أعضاء الهيئة الانتخابية وهي الأهم.
ومن يستطيع أن يعطي ترامب حبل النجاة ليتمسك به ويخرج من حفرته التي يزيد عمقها مع مرور الوقت؟
بإيجاز شديد، فإن الاحتمال الوحيد الذي ربما يخرج ترامب من حفرته هو نجاح الإرهاب باسم الإسلام في تنفيذ كارثة إرهابية مزلزلة للثوابت الإنسانية والأخلاقية على الأرض الأميركية، فإن ذلك قد يحقق لترامب الرئاسة أو على الأقل يقلّل من خسائر الحزب الجمهوري على مستوى الكونغرس الفيديرالي وكونغرس كل ولاية على حدة.
فكل رئيس أميركي، مهما كان ذكاؤه وحصافته السياسية، دع عنك «مهبولاً»، كترامب، يحتاج إلى الحد الأدنى من تعاون الكونغرس بمجلسيه من نواب وشيوخ. وما يسري على الرئيس يسري على كل حاكم (محافظ) من حكام كل ولاية من الولايات الخمسين من حيث تعاون أو معارضة الكونغرس المحلي الخاص بكل ولاية، الذي يتكون أيضاً من مجلسي نواب وشيوخ يمثلان سكان كل ولاية في عاصمتها. وفي كل ولاية من الولايات الأميركية عاصمة لها.