في جرة نظر على البرامج الانتخابية التي يصدح بها ممثلوها من نواب المستقبل، كوعود لن تتحقق إلا حين نمكّنهم من الوصول إلى القبة البرلمانية؛ يغلب الشعور بالأسف والقهر على الفئة المستهدفة من ترويج تلك البرامج والشعارات؛ المواطنات والمواطنين!
هؤلاء الذين يبحثون عن تفاصيل يومياتهم، ما بين سطور البيانات الصداحة الرنانة، ولم يجدوها.
المواطن الذي في قرارة ذاته، لا يستوعب الشعارات الكبيرة من باب قلة اطلاعه ربما، أو قلة اهتمامه في الأكثر، لن ينتخب صورا جميلة تبتسم في وجهه على الطرقات، وكأنها إعلانات لمعجون الأسنان، فيما جبينه يتصبب عرقا وتعبا وملتصقا على صفحة نافذة، في باص "الكوستر” المتحكم أساسا بنصف حياته، ومن تحته عقل لا يتوقف عن الاقتراحات البديلة التي يمكن أن يقدمها، هذه الليلة أيضا لوجبة جاهزة طلبها الأطفال بالاسم، تشبها بجيرانهم الأوباش!
المواطنة التي لم تزح يدها عن زامور السيارة، منذ أن توقف السير قبل ربع ساعة بدون سبب واضح، يقلقها وجه الراكب في الباص المجاور الملتصق بالنافذة، وتعتقد أنه السبب في إحساسها بالغضب، متجنبة النظر إلى الأوراق المرمية على الكرسي المجاور، حتى لا تتأكد أن ما فجرها اليوم، ليس وجها متجمدا في عرقه، بل بريد مدرسة أولادها الخاصة، يخطرونها فيه أنهم مضطرون هذا العام أيضا لرفع رسوم التسجيل والأقساط والكتب والمواصلات، لأسباب خارجة عن إدارة المدرسة الطيبة، و تتعلق مباشرة بإجراءات رفع المشتقات النفطية!
في المرآة الخلفية تلمح رجلا يفتح شباك سيارته في عز الحر، يحاور بائعا شابا على الطريق، وهو يمسك بنصف ضمة الورد حتى يضمن امتلاكها في النهاية، حين تفتح الطريق. كان الشاب يرجوه كما يبدو أن يعطيه نصف دينار أكثر فوق النقود التي دفعها، ليشعر أنه ليس مظلوما. فالعدالة بالنسبة لخريج المحاسبة مثله ، منذ ثلاث سنوات ، صارت تتأتى على شكل أنصاف دنانير كربح لضمم الورد، تصرف عنه ظلم ذوي القربى ونعتهم إياه بالعاطل !
ثم، من هذا الذي يشتري ورودا في وطن يسيح وردة وردة، في منتصف ظهيرة صيف؟ يتساءل سائق الأجرة الستيني. يغبط السائق صاحب النافذة المفتوحة على قريحته العاشقة، ويواسي نفسه أنه كان ذات صيف أقل حرارة في مثل تلك الأيام ، عاشقا مثله. لكن التأمين الصحي بصراحة، هو المسوول عن قتل الحب في منتصف صدره، لأنه لم يراع قلبه العليل، وتعامل مع لوعته بجفاء وصدود منقطعي النظير، ناهيك عن انقطاع الدواء أصلا من المنافذ الحكومية.
في الجوار صبية جميلة، لا تكترث لمن حولها من الواقفين في الشارع، يقتلهم الفضول ليعرفوا على من تكيل الشتائم وتصرخ، خلف زجاج سيارتها. سماعات الأذنين معلقتان حول رقبتها، تمسك بها بيد مرتجفة وتلوح فيها يمينا ويسارا، وكأنها تلوح بقبة قميص محدثها على الجهة الأخرى. كلهم استنتجوا أنه محدث وليس محدثة، لأنها كانت تبكي!
خمس سنوات علقت عليها آمالها، يوما بعد يوم، حتى ثقلت علاقة الآمال بوعود الزواج، من قبل من يريدها حقا وجدا، ولكن ما بيده حيلة. خمس سنوات تسمع نفس المبررات الحقيقية فعلا، لشاب لا يملك حقا في حلم الزواج، ضمن معطيات راتبه الضعيف، وطلبات المجتمع القوية.
لم يفتح الطريق بعد، ولن يفتح قريبا كما هو ظاهر لهم. تجول عيون المتوقفين قسرا فوق صور المرشحات والمرشحين، القديمة منها والجديدة أو المجددة، ينشدون وجوها تقول إنها تتفهم تماما قلقهم وخوفهم على الأيام القادمة ، فتصدمهم لمعة الجبين المسطح والأسنان المشعة بياضا، والوجنات المتوردة بحمرة.
قبل أن يفتح الطريق
أخبار البلد -