لو وجُد مؤشر دولي يقيس "أعباء النقل على المواطن” لحاز الأردن المركز الأوّل، ولو سافرنا عبر "غوغل” إلى مختلف أنحاء العالم، وقارنّا أسعار السيارات لاكتشفنا أن أغلاها في الأردن، ولو سألنا المواطن الأردني عمّا صار قلقه الأول لأجاب: سيارتي.
الأصل في السيارة أنّها وسيلة نقل ثانوية تيسّر حياة الناس، باعتبار أنّ وسائل النقل العام هي الأصل، ولكنّها في الأردن ضرورة قُصوى لأنّ النقل العام متخلف، ولهذا فقبل أن يُفكّر الشباب في الزواج، بعد الحصول على دخل شهري، يذهبون لشراء سيارة تقلّهم إلى أماكن عملهم.
الحكومات الأردنية المتعاقبة هي السبب في الوصول إلى تلك النتيجة، فهي لم تهيئ للناس وسائل نقل عامة، وتخبّطت في سياساتها، بدءاً من الحافلات الايرانية الضخمة التي لا تستوعبها طرقنا، مروراً بعدم تنفيذ مشاريع قطارات ومتروات ظلّت على الورق منذ عشرات السنوات، وصولاً إلى تخريب الشوارع بمشاريع ثبت أنّها وهم في عقل المسؤول، لا أكثر ولا أقلّ.
وأكثر من ذلك، فالسياسات الحكومية كانت تُشجّع مرّة على اقتناء السيارات الكبيرة، بتخفيض جمركها، ثمّ تعود فترفع رسومها، ومرّة على استيراد السيارات الصغيرة المستعملة، ثمّ تعود وتمنع، وتشجّع شطب تلك التي عمّرت أكثر من خمس سنوات، والعشرات من السياسات والقرارات التي تجعل المواطن أسيراً في مهبّ الرياح المتخبّطة.
وأكثر، أكثر، من ذلك، فقد تحوّلت الحكومات إلى تاجر سيارات، وكالمنشار يغرز أسنانه ذهاباً وإياباً في الاستيراد والبيع والشراء والترخيص والمخالفات والوقود، ونخشى أنّ المواطن سيصل إلى نتيجة أنّ حرق سيارته في الصحراء والتنقّل مشياً على الأقدام هي الحلّ النهائي والوحيد.