للوهلة الأولى، لا جديد في هذه الانتخابات النيابية؛ بل إن بعض الاتجاهات التي توصف بالواقعية ترى أن إنجاز انتخابات بمواصفات انتخابات المجلس السابع عشر السابق، يعد إنجازا وطنيا، وسط المحددات والظروف الداخلية والإقليمية، وعلى رأسها ما يواجه القانون الذي تجرى على أساسه الانتخابات من انتقادات وصعوبة فهم.
المبالغات التي ترى في التزاحم في أعداد المرشحين والقوائم الانتخابية تغيرا نوعيا يشكل حالة جديدة في المشهد الانتخابي، تعد إلى هذا الوقت استنتاجات غير منطقية، كما هي حال المبالغات بالاتجاه الآخر، لناحية أعداد المرشحين ونوعية القوائم أيضاً وما يتردد حول ما أطلق عليه "مرشحو الحشوات"، فهي بدورها مجرد أحكام متسرعة وغير محسومة إلى هذا الوقت، وتقع أحيانا ضمن الدعاية المضادة. فالمشهد الانتخابي في حدوده الطبيعية التقليدية التي اعتاد عليها المجتمع الأردني منذ أربع دورات انتخابية على الأقل، كما هي الحال بشأن ضعف البرامج الانتخابية؛ فهذه ظاهرة مزمنة ولا جديد فيها.
الرهان الممكن الوحيد هو مدى القدرة على حماية نزاهة الانتخابات، أي القدرة على تقديم نسخة أردنية جديدة من انتخابات من دون تدخلات رسمية مباشرة أو غير مباشرة، ومن دون فساد سياسي وأموال سوداء لشراء الذمم والأصوات. وثمة مؤشرات مهمة وغير معلنة بعضها إيجابي، منها إحجام بعض الأشخاص عن الترشح عقب أن راجت أسماء العديدين منهم قبيل مرحلة الترشح والتسجيل، بعدما لم يتلقوا أي ضمانة أو إشارة بالدعم.
هذه المرة، يعد ضمان أعلى درجة من نزاهة الانتخابات مصلحة وطنية بالمعنى السياسي. صحيح أن النزاهة دوما يفترض أن تكون مصلحة وطنية، لكن الأمر مختلف هذه المرة. إذ ثمة إدراك مفترض لدى أركان الدولة والنخبة الرسمية التي تصنع القرار بالحاجة إلى برلمان جديد نظيف من أي شوائب، وأن هذه الحاجة تعبر عن الرسالة التي يجب أن توجهها الدولة للمجتمع الأردني وللعالم في هذه اللحظات التاريخية.
هذا الإدراك المفترض، وربما المتفائل، يبنى على أساس أن الدولة معنية في هذا الوقت بالاستثمار في تنمية رأس المال السياسي الوطني أكثر من أي وقت مضى؛ ومعنية بالعمل على الاستمرار في استعادة الثقة العامة، ومن ضمنها ما يطلق عليه البعض هيبة الدولة. فلا يمكن أن نعمل على هيبة سلطة من السلطات الدستورية، فيما سلطة أخرى تعاني من الهشاشة والضعف. وقد كشفت سنوات الحراك الشعبي وما تبعها من تداعيات حجم الفجوة في الثقة العامة. ولعل الضعف الذي اعترى المجالس النيابية السابقة لم يعد قابلا للاستمرار بأي شكل من الأشكال؛ فما تطرحه استطلاعات الرأي العام من احتمالات تراجع المشاركة الانتخابية حتى من قبل الفئات التي طالما عدت خزان المشاركة الانتخابية، تضع علامات استفهام على مستقبل الحياة البرلمانية.
استطاعت الدولة، خلال أقل من عامين، ترميم بعض ملامح الهيبة العامة في أكثر من ملف، مما انعكس إيجابيا على سمعة السلطة التنفيذية. ولا يمكن أن نراكم على ذلك من دون إنقاذ الحياة البرلمانية.
بالمعنى السياسي؛ لا مجال أمام مؤسسات الدولة ودوائر صنع القرار إلا إحداث قطيعة مع الماضي، والاستثمار في النزاهة وتقديم برلمان جديد بنخبة جديدة ولو نسبيا، حتى وإن جاء ذلك بنسب مشاركة متدنية أحيانا. فهذا المسار سيشكل تعبيرا حقيقيا عن قوة الدولة الأردنية، وعن قدرتها على الاستثمار برأسمال سياسي نظيف، وسيشكل دفعة قوية لمسار استعادة الثقة العامة، ورسالة قوية للإقليم والعالم.
هل من جديد في هذه الانتخابات؟
أخبار البلد -