أخبار البلد -
في هذه الأيام، تطفو من جديد قضية ميزانية جيش الاحتلال الإسرائيلي، بالتزامن مع إقرار حكومته الموازنة العامة للعامين المقبلين؛ وأيضا مع اقتراب التوقيع على صفقة الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل لمدة عشر سنوات، ابتداء من العام 2018، بقيمة 38 مليار دولار. وفي الجدل الإسرائيلي القائم، يجري الحديث عن أن الجيش يحصل سنويا على غالبية الفائض في الموازنة العامة، حتى ملياري دولار، إضافة الى ميزانيته الأساسية. وفي فحص معمق للموازنة، نجد أن قسما جديا من هذا "الفائض"، هو "كلمة السر" لسياسة التمييز العنصري ضد فلسطينيي 48.
إذ يتجاوز حجم الميزانية الأساسية لوزارة الحرب في العام المقبل 16 مليار دولار، ويصل الى 16.6 مليار دولار في العام التالي 2018. لكن كما علّمت التجربة، فإن جيش الاحتلال الذي يطالب باستمرار برفع ميزانيته الأساسية، يحصل على ما بين 1.5 مليار إلى ملياري دولار سنويا، من فائض ميزانيات الوزارات المختلفة، وأحيانا من فائض مداخيل الضرائب، ومن الاحتياطي العام، كي يسدد فاتورة الحرب والاحتلال الشرهة.
وقسم جدّي من هذا الفائض، خاصة في الوزارات الاجتماعية، ناجم عن مشاريع لا تخرج إلى حيز التنفيذ، لأسباب مختلفة، فتُعدّ فائضا. وقسم كبير جدا من هذه المشاريع هو بالأساس مخصص للبلدات العربية، إلا أنه لا يخرج لحيز التنفيذ، لأسباب تتعلق بسياسة التمييز العنصري. وسأطرح نماذج، تعكس عمق العنصرية في العقلية الصهيونية.
فمثلا، وزارة التعليم تخصص ميزانيات لبناء مدارس ورياض أطفال في البلدات العربية، إلا أن تحويل هذه الميزانيات يتطلب عرض مخططات. وكي يتم عرض مخططات، فعلى المجلس البلدي والقروي أن يحدد الأرض التي سيقام عليها المشروع. وحينما تكون البلدات العربية تئن من الحصار الجغرافي، بعد مصادرة ملايين الدونمات منها منذ النكبة، ومحرومة من توسيع مناطق نفوذها؛ وبالأصح، محرومة من استرداد ولو قسم مما صودر منها، فإنها لا تجد في كثير من الأحيان الأرض الكافية لبناء المدارس، ورياض الأطفال، والنوادي والمراكز الثقافية والشبابية، ما يعني أنه لا يمكن وضع مخططات كافية لبناء المدارس، عدا عن أن ما تطرحه الحكومة، لا يسد أصلا الاحتياجات الكافية. ولهذا فإن الميزانية تبقى في الوزارة، وفي نهاية العام تُعدّ فائضا.
وحسب التقديرات، فإن البلدات العربية ينقصها أكثر من 6 آلاف غرفة تعليمية. وحينما نتكلم عن هذا الكم الهائل من الغرف، فهذا يعني مباشرة، نقصا فوريا بآلاف المعلمين العرب، المحرومين من فرص العمل؛ إذ يتم الزج بأعداد طلبة في الغرفة التعليمية الواحدة، أعلى بكثير مما هو قائم لدى اليهود. ولهذا انعكاسات سلبية كبيرة على مستوى جهاز التعليم والتحصيل العلمي. ما يعني، أيضا، أن الفائض ليس فقط من عدم البناء، وإنما أيضا من عدم الصرف على تشغيل وإدارة هذه المؤسسات التعليمية والثقافية، بآلاف موظفيها المفترضين.
كذلك، هناك وظائف حكومية، وخاصة تلك المتعلقة بالخدمات الاجتماعية، على أشكالها كافة، يكون التمويل الحكومي فيها جزئيا، وعلى المجالس البلدية والقروية أن تستكمل تمويل تلك الوظائف من ميزانيتها الخاصة. وحينما تكون كل البلديات العربية تعيش على مدى السنين، أوضاعا مالية سيئة، نتيجة سياسة التمييز، وحجب الموارد المالية عنها، فإن هذه البلديات تكون عاجزة عن شغل تلك الوظائف، ولهذا نرى أن المجتمع العربي ينقصه آلاف الوظائف في هذا المجال. ونرى أيضا أن هذا الفائض في الميزانيات ينبع من عدم تنفيذ مشاريع بنى تحتية وتطويرية في المجتمع العربي، والأمثلة عديدة.
وما يراد قوله، هو أن سياسة التمييز العنصري تظهر بأشكال متعددة في نهج المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة، بكل حكوماتها المتعاقبة. والحكومة الحالية تدمج بين شراسة العنصرية الصهيونية ووقاحة رئيسها بنيامين نتنياهو الذي خرج قبل أقل من شهر، بشريط فيديو موجه لفلسطينيي 48، يدعوهم فيه للخروج إلى العمل، والاندماج في عجلة التطور، وأيضا "الاندماج في المجتمع الإسرائيلي"، بحسب تعبيره. والوقاحة في هذا أن العرب يواجهون حواجز سياسية عديدة، أمام الانخراط الحُر في سوق العمل، وفي عجلة التطور. أما حكاية "الاندماج"، والقصد منها "الانصهار" في المجتمع الإسرائيلي، فهذا حلم الصهيونية الذي لن يتحقق.