حين قرأت البيان الذي أصدره "33” ناشطاً وناشطة تحت عنوان "اعلان عمان” لحقوق الانسان، قلت: شكراً لهؤلاء الشباب الذين بادروا لتذكيرنا بما جرى من انسدادات في مجالنا العام، ثم تحركوا بايعاز من ضمائرهم لتطميننا على قيمة الانسان في بلدنا، وعلى ان مجتمعنا الذي هم جزء منه ما زال يتمتع بالعافية، ذلك أن الظروف مهما تكن صعبة، فإن بوسع "اهل الهمة” ان يفرزوا افضل ما فيهم، وان يعبروا عن الضمير العام ويدافعوا عن حق الناس في الكرامة والعدالة، هذا ما فعله هؤلاء الشباب حين تجردوا من هواجسهم ومخاوفهم وعزلتهم ، واختاروا ان يضيئوا شمعة "امل” وسط هذا الصمت المريب.
كان من الاولى ان احتفي بمضامين "الاعلان”، لكنني آثرت ان اشكر الذين بادروا الى اصداره لسببين اثنين: الاول انني سبق واشرت اكثر من مرة في هذه الزاوية الى "الجدب” الذي اصاب مجالنا العام، خاصة بعد تعطل حركة السياسة وانحباس امطار الاصلاح وخروج مارد التطرف والارهاب ، مما ولّد احساساً عامّاً بهيمنة الامني على السياسي، وتراجع الحريات العامة لحساب الامن والاستقرار، فلما جاء هذا البيان فاجأني حقاً، ليس فقط لأن مجتمعنا تعرض لمناخات وظروف الجأته للصمت وانتظار الفرج، وانما ايضاً لان الاحباط الذي اصاب الشاب تحديداً لم يحرك ساكناً لدى "النخب” التي يفترض ان تتحرك لتحرير المجتمع من هذه "الغشاوة” ، والردّ على اسئلة الشباب الذين يشكلون عصبه الحيّ ، بمبادرات حقيقية، لا بأوامر الطاعة والوصاية.
اما السبب الثاني، فهو ان الذين اصدروا البيان توخّوا اعلى درجات "الانضباطية” السياسية، صحيح انهما اشاروا الى الاسباب التي دفعتهم الى المبادرة بإطلاق الاعلان وهي في المجمل اسباب سياسيه، لكنهم توجهوا على الفور الى الهدف الاساسي وهو "حقوق الانسان” باعتبارها ، كما ذكروا ، حقوقاً واحدة لا تتجزأ وتسمو فوق الانتماء الوطني والقومي والديني ، كما انها مجردة لا يمكن تفسيرها وفقاً لمعطيات سياسية او اجتماعية او امنية محددة، ولا تتأثر بأية خصومة سياسية او عقائدها او اجتماعية، وبالتالي فإن القضية التي تشغلهم عابرة للمجال السياسي وان كانت في صميمه،كما ان الموقعين على البيان لا يرتبطون باي اطار سياسي منظم، فهم "متطوعون” لخدمة المجال العام، وتحديداً يتعلق بحقوق الانسان.
هذا العمل الذي ينهض به هؤلاء الشباب بالنيابة عن المجتمع ، عمل تطوعي لا ينتمي الى السجل المغشوش من الاعمال المدفوعة الاجر التي تموّل من هنا وهناك، وهذه ميزة اساسية ومهمة اتمنى ان تظل قائمة، خاصة في ظل حالة "التجاذب” بين التيارات الفكرية والسياسية التي انتصرت لحساباتها ومصالحها على حساب "قيمة” الانسان وحقوقه الاساسية، كما اتمنى ان تشمل قائمة الموقعيين مختلف النشطاء المهمومين بهذه القضية من التيارات الاخرى، لكن لا تظل "مغلقة” على لون فكري واحد، او اتجاه معين، كما وعدوا في بيانهم فعلاً.
قبل ان اشير الى مضامين البيان لدي ملاحظتان، الاولى هي ان الاعلان ذكرني "برسالة” عمان التي صدرت قبل نحو عشرعشرات، صحيح ان الموضوعين مختلفين، كما ان "المصدر” مختلف ايضاً، لكن قيمة الرسالة والاعلان وهدفهما يصب في اتجاه واحد، وهو تصحيح المفاهيم سواءً اكانت انسانية او دينيه، والدفاع عن " القيمة "والفكرة، سواء اكانت هذه القيمة "حقوقاً” تتعلق بالانسان، او بعلاقة الانسان مع الخالق عز وجل، الملاحظة الثانية هي ان الاعلان ذكّرني ايضا بالمركز الوطني لحقوق الانسان الذي يترأسه استاذنا المؤرخ محمد عدنان البخيت، لا اريد هنا ان اعلّق على الموضوع، ولكنني اتمنى ان يكون "الاعلان” ومعه الموقعون عليه والمؤمنون به سنداً وشريكاً للمركز، كما ارجو أن يلتقط المركز ذبذات هذه المبادرة ويرد التحية عليها، لأن الهدف واحد كما يبدو ولا خلاف عليه.
مضامين الاعلان تتعلق ، بالطبع، بحقوق الانسان وحرياته، وقد بسط الموقعون عليه اهم المبادىء التي تستند اليها هذه الحقوق، لكن ما هي المجالات التي حددها هؤلاء الشباب لعملهم ؟ ثمة (3 ) عناوين اشاروا اليها: الاول: العدالة والمساءلة، الثاني حماية المساحة السياسية المتاحة، والثالث: حماية نشطاء حقوق الانسان والمدافعين عنه، هذه بالطبع تشكل اهتماماتهم، ومن تحتها انطلقت دعواتهم لتمكينهم من ايصال رسالتهم، لكن السؤال الاهم هو : كيف؟ الاجابة بالطبع تحتاج الى كثير من الصبر والحكمة والى مزيد من الهمة والعمل والامل ايضاً.
بيان عمان...!
أخبار البلد -