من سنوات طويلة وأنا أتابع برنامجي "يسعد صباحك" و"صباح الوطن الجميل". وكل يوم جمعة يجب أن يكون من قرية أردنية. والحديث غالباً هو ذاته؛ عن طريقة صنع خبز "الشراك"، وكيف كانت النساء قديما يغسلن على الغدير، واليوم على غسالة، والرجال كلهم كانوا رعاة أو حصادين. وفي بعض الأحيان، يكون من حسن حظ البرنامج أن تتواجد سيدة "تفقع" الموجودين "مهاهاة" باعتبارها فلكلورا أردنيا!
أقسم بالله فهمنا أن العائلة الأردنية كانت تصحو باكرا، وتحلب النعاج لشرب الحليب، ومن ثم يتوجه الرجال لزراعة الأرض، فيما تقوم النساء بـ"الطبيخ" والغسيل ونسج البسط. ومن يتابع كثيرا من برامجنا من الخارج يخيل إليه أن الأردنيين ما يزالون بدوا رحّل، و"عايشين" على الزعتر والزيت!
جميل أن تكون هناك حلقة في الشهر تسترجع ذكريات الزمن الجميل، ومعيشة الآباء والأجداد. لكن من غير المعقول أن نكون كل صباح جمعة على موعد مع قلاية البندورة والسمن البلدي على الإفطار، فيما نصف أبناء البلد أصبح لديهم اشتراكات في نوادي "جم"، ويخضعون لبرنامج "ريجيم" قاس!
كل جمعة هناك من تخبز "الشراك"، مع أن 99 % من إنتاج "الشراك" في الأردن يتم بأيدي وافدة. كل جمعة هناك فلاحون وحصادون و"رعيان"، و99 % من الشعب الأردني شيوخ جالسون على دلالهم. كل جمعة هناك زيتون ومقدوس وبيض بسمن بلدي، و99 % من الشعب أصبحوا من أكلة "الزنجر". لماذا نجافي هذه الحقائق؟ ولماذا لا تكون فقرة "صباح الوطن الجميل" من عبدون مثلا، تستقبلهم العائلة على المدخل وبأيديهم الـ"آي باد"؛ فمن غير المعقول أن يكون بأيدينا كل مرة محراث أو سيف أو منجل؟ وبعد أن يدخلوا، تتحدث السيدة عن أبنائها المتفوقين، وكيف أن ابنتها تخرجت من كلية الطب، وتسعى إلى التخصص في لندن. فليس بالضرورة أن يعزف لنا شلاش، كل مرة، على الربابة، و"يقصّد" لـ"غريب الديار"، فيما اليوم من يعيش في أميركا لا يعتبر غريب ديار بوجود "سكايب". وما المانع أن يكون هناك حديث مع رب المنزل، وكيف يتواصل عبر "تويتر"، فمن غير المعقول أن يحدثنا شخص في كل يوم جمعة، عن كيف أن الناس كانوا يتواصلون عبر "التعاليل". والمصيبة أن كل إفطار يتم عرضه يكون تحت بلوطة، وفيه زيتون ومقدوس وزبدة غنم، علما أن آخر من أفطروا تحت بلوطة، عاشوا في فترة الحرب العالمية الأولى. لماذا لدينا إصرار على أن يشاهد العالم الأردني وهو "يفغم زر البندورة"، مع أن في بلادنا منذ الخمسينيات عائلات تستخدم الشوكة والسكين في الأكل؟
نعم، حياتنا تغيرت. ومثلما نسلط الضوء على كيف كان الناس يعيشون على بساطتهم في ذلك الزمن الجميل، فإن علينا نقل الصورة الأخرى؛ فلم تعد حياتنا ربابة ومهباش وتعاليل، وجميع أبناء الشعب الأردني لديهم حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، وكثير منهم أصبح لا يستغني حتى عن جلايات الصحون!
فاز أحمد أبو غوش بميدالية ذهبية للأردن في الأولمبياد. وهذا موضع فخرنا واعتزازنا، ويقيننا بأن الإبداع ما يزال حاضرا. وللعلم، فإن بيننا أبو غوش الشاعر، والمخترع، والمصمم. فإلى متى سيبقى صباحنا الجميل يختزل الوطن وإنجازاته وتاريخه بـ"المقدوس"، وبيننا مليون جميل مثل أبوغوش يستحق أن يكون الصباح الجميل من بيوتهم، ومزهيا بألق إبداعهم!
صباح المقدوس الجميل!
أخبار البلد -