حين ندقق في حالتنا السياسية نكتشف( هل نكتشف حقا ؟) ان مجتمعنا يعاني من "الجدب” السياسي ، لدرجة ان حركة السياسة تعطلت فيه منذ اعوام ، نجد ايضا ان ماكينة انتاج النخب اشتغلت من اجل التدوير فقط ، وظلت مغلقة امام دخول اي زائرين جدد، نجد ثالثا ان معظم من افرزتهم هذه الماكينة لم يخرجوا من دائرة السياسة وانما من دائرة الادارة ، وبالتالي فهم افراز النشاط الاداري ومن طبقة الموظفين وليسوا من افراز العمل السياسي ولا من طبقة السياسيين، نجد رابعا ان لدى بعض هؤلاء” امل " بالعودة الى السياسة والعمل العام من الابواب الخلفية ، وبالتالي فانهم ليسوا بحاجة الى خوض مغامرة الانتخابات التي قد تكشف وزنهم الشعبي في الصناديق.
ارجو ان لا يصدق احد ان بعض هذه الشخصيات تخشى من "اطفاء” الكهرباء عند احتساب الاصوات في الصناديق ، او انهم عزفوا عن المشاركة لكي يفتحوا الابواب ام ضخ دماء جديدة في البرلمان ، او انهم زهدوا في المناصب العامة ، او انهم فوجئوا بالقانون الجديد وقوائمه الصعبة، كل هذا غير صحيح للاسف، لان الدافع الاهم الذي ادرجوه في حساباتهم هو مقدار رضى الناس عنهم ، ومدى قدرتهم على انتزاع اصواتهم ، وحين اكتشفوا الخيبة التي انتهى اليها الناس من السياسة عموماً، ومن النخب التي انشغلت بها لتحقيق مصالحها على حسابهم، والتجربة المرّة التي عمقت في الوعي الشعبي ان صراعات الرؤوس الكبيرة ليست أكثر من مناورات عابرة، او تصفية حسابات لثارات سياسية قديمة، او محاولة لاعادة تاريخ مضى، وتزيين صور لم يعد ممكناً تجميلها او تغطية شحوبها، حين اكتشفوا ذلك بحسابات رياضية محضة قرروا الانسحاب من الميدان ، لكنهم بدلا من ان يعترفوا بما ارتكبوه من اخطاء حمّلوا الناس الطيبين وزر انسحابهم ، وبدأوا بهجاء القانون الذي سبق وان اشادوا به ، ثم امسكوا بالعصا من الوسط لكي يطمئنوا من يهمه الامر انهم فعلوا ذلك من اجل المصلحة العامة لا غير.
لم يلتفت البعض ربما الى ان التحولات التي طرأت على المجتمع الاردني قد انهت بالفعل صلاحية بعض النخب وأفرزت طبقة جديدة من الموظفين الكبار الذين نجحوا في اختراق أسيجة العمل العام، او البرلمان، سواء من مهادات البيزنس او الاطراف البعيدة عن العاصمة، او حتى من العصاميين الفقراء، لكن هؤلاء لم يتمكنوا بعد -في ظل اصرار النخب التقليدية على الامساك بمفاتيح التوجيه- من تقديم انفسهم او تأكيد حضورهم الشخصي والفكري، لدرجة ان بعضهم استسهل الوصول من خلال الذوبان في الاصطفافات والقوائم ، أو وجد في التحالف مع مراكز القوى بديلاً لخوض منازلات سياسية مكلفة.. او غير مضمونة النتائج.
دعونا نعود اربعة سنوات الى الوراء، لقد كنا نراهن في مثل هذا الوقت آنذاك على الانتخابات وعلى البرلمان ، كنا نقول ان الحل في البرلمان وليس في الشارع ، لكن هل يمكن ان نصارح انفسنا اليوم وبعضنا يعيد الوعود ذاتها ونقول باننا لم ننجح – للأسف – على مدى الاعوام المنصرمة في تجسير "الفجوة” بين الدولة، بنخبها ومؤسساتها، وبين الناس، بمطالبهم وهمومهم واستغاثاتهم، وحين راهنا على ان الانتخابات ستساعدنا على تجاوز الهوّة الواسعة اكتشفنا باننا امام مئة وخمسين نائبا، معظمهم يعتبر نفسه "برلمانا” كاملا لكنه لا يمثل إلاّ الذين انتخبوه، وحين بدأنا ندقق في الكتل التي تشكلت على عجل وجدنا انفسنا امام "قوائم” تزاحمت فيها "الأسماء” التي لا تتفق في الغالب الاّ على "توزيع” الحصص في البرلمان او الحكومة، واغلب الظن انها "ستذوب” تدريجيا بعد ان تضع "المشاورات” اثقالها.
إذن، كيف يمكن ان نطمئن الى ان "اداء” البرلمان القادم سيكون افضل ؟ هل بوسعنا ان نراهن على تجربة "مختلفة " تنقلنا من "المخاضات” الى عتبة المرحلة الانتقالية، وماذا لو اكتشفنا باننا امام "نسخة” مكررة لتجارب الماضي، وامام شارع يمكن ان تتصاعد اصواته مجددا للمطالبة "بالاصلاح” ، وامام "أزمات” اقتصادية لم ننجح في مواجهتها بما يكفي، وامام "تحولات” اقليمية تحتاج الى "جبهة” داخلية موحدة، ومقررات سياسية يشارك فيها الجميع لكي يتحملوا مسؤوليتها ايضا؟.
صحيح، سيكون للاخوان حضور في البرلمان القادم ، وصحيح ان المقاعد ال (130) ستكون موزعة بين النواب القدامى والاخرين الجدد، وصحيح ان احدا لا يمكن ان يتكهن حتى الان بصورة او خريطة البرلمان القادم من رحم "قوائم الصوت الواحد” لكن المؤكد اانا بحاجة الى اطلاق السياسة من السياج الذي وضعت فيه لكي يخرج البرلمان ايضا من "الهواجس” والمخاوف والخيبات الى ارتبطت به في اذهان الناس وذاكرتهم ايضا ..
- See more at: http://www.ammonnews.net/article/278710#sthash.jBCGKARi.dpuf