داوني بالتي كانت هي الداء
بعد مخاضات قاسية و(مبازطات) غير ذات جدوى، أعلنت أحزاب نكوصها عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية بسبب وعورة قانونها الجديد، وعدم قدرتها على تشكيل قوائم مبنية على تحالفات حزبية أو قبلية أو برامجية، رغم أن الهيئة المستقلة للانتخاب ترى عكس هذا الطرح تماماً.
هذه الأحزاب التي تغنت طويلاً بالقانون الجديد، قبل أن يدخل امتحانه الحقيقي، لن يكون أمامها إلا الطريق السهل: المقاطعة (واللي ما يطول العنب حامض عنه يقول). ولا أعتقد أنها ستقوم بمراجعة ذاتية لبنيتها ولسبب فشلها في التأثر المجتمعي، ولن نسمع عن حل لهذه الأحزاب بنفسها، ولا عن استقالات في صفوفها القيادية. مع أن المنطق يفرض هذا.
يرى كثيرون أن العبرة لا تكمن في قانون الانتخاب بقدر ما تنحصر في عقليتنا المبنية على القبيلة والعشائرية، والتعنصر للقريب دون اكتراث بالبرامج والأفكار. ولهذا فالأردنيون قادرون على (تقييف) وتكييف أي قانون لينسجم مع تفكيرهم المناطقي والقبلي. وعلى هذا لن يكون ثمة فرق بين المجلس المنتظر وسابقيه، فالعيارة الوازنة أو المكيال المستخدم هو هو: (العشائرية في أبهى صورها).
المحدق بالطريقة التي تشكلت بها القوائم سيرى كيف أن القانون بدل أن يبعدنا خطوة عن تفكيرنا العشائري، نجده قد كرس هذا النهج بقوة أكبر، وجعله المنطق الأول في عقليتنا، التي لا تؤمن إلا بالعدد، ولا تحفل بالنوع والكفاءة، ولا تقيم وزناً للبرامج والابتكار والتجديد.
مع سيطرة الروح العشائرية والمناطقية كنا نأمل أن يظهر تيار في كل بلدة أو محافظة من المتنورين الشيّاب والشباب، يلتف حول شخوص اجتماعية وازنة لمقاومة هذه العودة القهقرية إلى الغاب الأول (العدد). لكن للأسف لم نحس بهذا، ولم نلمس تحركاً حقيقياً، رغم مناداة البعض به. الغالبية اكتفوا بالصمت والركون والاستسلام لمد العشائرية العارم.
في بعض المحافظات ظهر تيار سمى نفسه (عشائر الوسط). وهم من بعض من العشائر صغيرة العدد، أرادت أن تتحد بعد أن عانت التهميش وغياب فرص الوصول إلى البرلمان. تآلفت ليس بتيار فكري برامجي تنويري، يقاوم السائد، بل سعت أن تكون عشيرة كبيرة جديدة، تزاحم بالعدد العشائر التي ظلت مسيطرة على الساحة.
لا أعرف كيف تبنى هؤلاء تسمية عشائر الوسط. مع أنها تسمية سياسية بامتياز، ولهذا يحق لنا أن نسأل عن عشائر اليمين واليسار. لكن على ما يبدو أنهم لا يقلون تعصباً ولا رغبة في التعنصر عن العشائر التي ارادوا مناهضتها ومقاومتها. أي داوني بالتي كانت هي الدواء. وهذا التكتيك قد ينفع مع الخمر، على رأي ابو نواس، ولكنه لن يكون ذا جدوى في مثل هذا الأمر.