يعلو ضجيج المركبات وهدير أبواقها على أيّ شيء في العاصمة الأردنيّة عمّان هذا الصيف الذي مرّ بعضه لاهباً. وشاء أحد السائقين أن يعلّق على ارتفاع الحرارة: ليت الأشياء كالحرارة، فهي ترتفع ثم تنخفض، أما الأسعار فإذا ارتفعت فهيهات هيهات أن تنخفض!
والأردنيون مولعون أكثر من ذي قبل بالتذمّر، يشكون من العنف الاجتماعي الذي صار عادة، والازدحام، وتآكل البنية التحتية للشوارع، وغياب تخطيطات المسارب، والأطاريف وعدم وجود أمكنة مخصصة للمشاة، وسوى ذلك، فيما يذهب آخرون إلى التباهي بسخرية بأن عمّان تتفوق على دبي وأبو ظبي، ولكن بماذا؟ يجيبون فوراً: بغلاء المعيشة!
وكان تقرير تكلفة المعيشة للعام 2016، الصادر عن وحدة بيانات مجلة «ايكونوميكس» أظهر أنّ عمّان هي المدينة الأغلى في المنطقة، وتحتل المرتبة الـ23 عالمياً من حيث غلاء المعيشة. وحلّت دبي في المرتبة الثالثة في المنطقة بعد عمّان وأبو ظبي في التقرير الذي يقارن تكاليف الحصول على أكثر من 160 خدمة ومنتجاً، بما في ذلك الغذاء والكساء وفواتير الخدمات مع التكلفة في مدينة نيـويورك التي تستخدم كمتغير ثابت في هذا التقرير.
وأشدّ ما يُرعب الأردنيين أنّ الأسعار في ارتفاع مطّرد، في حين أنّ رواتبهم لم تشهد ارتفاعاً موازياً، فالموظف الذي كان يتقاضى 350 ديناراً (ما يعادل 500 دولار) قبل عشر سنوات، كان بمقدوره أن يعيش بصعوبة ويُكمل آخر الشهر، لكنّ هذا المبلغ الآن لا يسعفه لأكثر من أسبوعين، خصوصاً أنّ الأسعار تضاعفت مرات عدة، وراتبه لم يطرأ عليه سوى تغيّر طفيف، ما أنتج اختلالاً فظيعاً في معادلة العيش.
وتقدّر بيانات صادرة عن مؤسسة الضمان الاجتماعي ودائرة الإحصاءات العامة معدّل رواتب الأفراد في الأردن بنحو 412 ديناراً، وهو مبلغ، وفق أحد المدوّنين، لا يكفي لسداد أثمان الكهرباء والماء والهاتف الخلوي (لشخصين) ولا لبنزين السيارة والغاز والسولار وأجرة البيت وأقساط المدرسة، وسواها حيث بلغت حسبته (وهي دقيقة ومتقشّفة إلى حد بعيد) نحو 469 ديناراً من دون احتساب الطعام والشراب والأدوية!
ويأمل كثيرون بأن تعود زيارات المغتربين والسيّاح إلى المملكة بانتعاش الحركة الاقتصادية والحدّ من التذمّر، مع أنّ ذلك يحتاج إلى استراتيجية بعيدة المدى، لتحويل الأردن إلى وجهة للسياحة العربية والأجنبية، وعدم ترك الأمور للمصادفات العشوائية، لا سيما بعد انكماش الوجهات السياحية، بسبب الأحداث السياسية، في مصر وتركيا وسورية ولبنان.
وبالتوازي مع هذه العواصف «الهادئة» ثمة اشتغال دؤوب على إنجاح الانتخابات البرلمانية المقرّر إجراؤها في العشرين من الشهر المقبل، وسط عزوف واضح من الناخبين يقابله شهوة مفتوحة للترشّح حتى من لدن أشخاص لم يسمع بهم أحد، ولا يتوقع أن يحظوا ببضعة مئات من الأصوات. ويدفع هؤلاء شعورٌ بأنّ الموقع النيابي واجهة مهمة للنفوذ والسلطة والاستثمار في شتى وجوهه، بما فيها التنفّع.
ومع أنّ عجلة الأيام تقترب من موعد الاقتراع، إلا أنّ أصواتاً راحت ترتفع تبشّر بأنّ الانتخابات لن تجرى في موعدها، ربما يتم استدعاء المجلس المحلول (الذي كسر الأردنيون مليون جرّة في أعقاب انفراطه!) بسبب الوضع الإقليمي واضطراب البيئة الجيوسياسية في المنطقة، في حين يعزو بعضهم سبب التأجيل أو الإلغاء (إن تحقّق) إلى الخشية من حركة الإخوان المسلمين التي قرّرت عبر ذراعها السياسي «جبهة العمل الإسلامي» خوض الانتخابات بكثافة، واستعادة الدور الذي همّشه النظام، وأفضى إلى تمزّقات تنظيمية فادحة في نسيج الجماعة.
وفي غمرة هذه الأجواء المضطربة، تكتظ مطاعم العاصمة عمّان ومقاهيها بزبائن من جنسيات متعدّدة يزاحمون الأردنيين الذين يغالبون شظف العيش ويبتسمون، وربما يضحكون من أجل كسر الصورة النمطية بأنهم لا يضحكون للرغيف الساخن!