المثل الاول تعبير دقيق عن المواربة والخوف من المجابهة وبالتالي تمييع وتعويم المواقف، وهناك مثقفون ممن حاولوا ان يخدعوا السماء والقيصر معا، استفادوا من هذا المثل وامسكوا العصا من الوسط، واحتفظوا لأنفسهم باحتياطي يلوذون به اذا تعرضت اقوالهم للتأويل، ويختصر هذا المثل ثقافة النميمة كلها، لأنه يخلط الحابل بالنابل والقمح بالزؤان والشحم بالورم .
اما المثل الثاني فهو اكثر وضوحا ومعناه باختصار ان من يخشى التعرض للحمار يدق بالبردعة او يعضّها، والحمار في هذا السياق قد يكون الاستبداد او حتى الاستعمار، ومن يخشون قول كلمة الحق يبرئون الفاعل لصالح نائب فاعل، ان لم يجدوه يحاولون اختراعه، وقد عبرت حكاية مأمورية الزير عن هذه الحالة، عندما اكتشف الحاكم الذي أمر ببناء زير يملأ بالماء لأناس تشققت شفاههم من ظمأ الصحراء، وتشكلت لجان لهذا المشروع وانبثقت عن اللجان لجان وأنفقت اموال تكفي لأن يملأ الزير بماء الذهب، لكن الحاكم اكتشف اخيرا ان الحاشية خدعته وحين ذهب ليطمئن على الزير وجده جافا والناس من حوله يتساقطون من فرط العطش .
ان من يعضون البرادع وينهشون احشاءها من القش هم الذين يخافون حتى من مساءلة الحمار، وربما لهذا السبب اخطأ العرب مرات عديدة في تشخيص اسباب هزائمهم وتخلفهم وفقرهم، فهم يبحثون عن كبش فداء ينوب عن الفاعل، واذا استمروا على هذا الحال فإن القادم اسوأ، وقد يتحسرون حتى على هذه الايام رغم كل ما يقال عنها !!
جدلية الحمار والبردعة !!
أخبار البلد -
ما من مادة خام نموذجية للدراسات النفسية والاجتماعية في العالم العربي كالامثال الشعبية والاقوال المأثورة والموروثة، خصوصا تلك التي افرزتها مراحل الانحطاط . ومن خلال مثلين فقط يستطيع الباحث ان يعثر على المفتاح السحري، هما اياك اعني واسمعي يا جارة، وجدلية الحمار والبردعة .