كثيرون يميلون الى التحليل بالتأجيل استئناسا بالظرف الاقليمي، الذي اجرى الاردن خلاله انتخابات بلدية ونيابية وفي ظروف اقليمية اكثر صعوبة من هذا الظرف، بل كانت المفارقة ان برلمان الحراك العربي امضى سنواته كاملة في اشارة اردنية الى انتهاء زمن برلمان الدبلوم او برلمان الدورة الشتوية، ومع ذلك تبدأ الاشارات التحليلية الرغائبية بأن البرلمان القادم في حال وصوله لن يكمل مدته، وتلك رغائب محلللين ورغبات نواب القائمة الوطنية الماسوف على شبابها، فالتأجيل يوجب عودة المجلس السابق ولا اظن حكومة او جهازا رسميا قادرا على تمرير هذا القرار على الاردنيين الذين اطربهم قرار حل البرلمان والدعوة الى الانتخابات العامة .
السبب المحلي الذي اغرى كثيرين بتحليل التأجيل كان خطوة حزب جبهة العمل الاسلامي بطرح 25 قائمة على 23 دائرة انتخابية وكأن الخطوة تشير الى تحدي الحزب للدولة علما بأنه حزب مرخص وفق احكام القانون ومن حقه – ضمن معادلة المسموح السياسي وليس معادلة المغالبة السياسية – طرح اضعاف هذا الرقم، فشهوة الحزب بالوصول الى المناصب شهوة مشروعة وهذا اصل وجود الاحزاب، واذا ما اضفنا شهوة الحزبيين الاسلاميين بالوصول والعودة الى المشاركة السياسية وسط انواء تنظيمية عاصفة يكون الامر مفهوما، فالحزب دمج معه مرشحي الجماعة لانتاج حالة توافق مرحلية على الاقل .
والاصل ان تبتكر الدولة ادوات ديمقراطية مجتمعية لمواجهة هذا الزحف الاخواني او الحشد الحزبي وليس تأجيل الانتخابات بوصف التأجيل اعلان الخسارة بالضربة القاضية السياسية امام الخصم، هذا على افتراض ان المواجهة قادمة وان ام المعارك بدات وان الحزب والجماعة خصوم وليسوا تيارا سياسيا معارضا يمارس المسموح السياسي، فالدولة وعبر قرون استشعارها تعلم يقينا ان تيار الاحزاب الدينية لن يحصل على اكثر من سُدس المقاعد بكل تلاوينه واطيافه بحكم طبيعة التركيبة الاجتماعية والسياسية، وقد اعلن التيار السياسي الديني حجمه بما يتفق مع قراءات قرون الاستشعار تلك سرّا وعلنا وهمسا وجهرا .
الملفت في الامر سرعة قبول الشارع لهذا التحليل رغم رغائبيته وشخصانيته على حساب الدورة السياسية الطبيعية، وهو يعني بوضوح ان صورة العملية البرلمانية مشروخة وان الثقة بالنزاهة الانتخابية مفقودة نسبيا واغلبية الرأي العام محبطة من اداء المجالس السابقة ومحبطة اكثر من سطوة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية التي انقلبت حتى على تصويتها في اكثر من مفصل، وكل هذه التفاعلات تغلي على مرجل القانون الجديد الذي قابلته القوى التقليدية والسياسية الهزيلة بريبة وشكّ وقابلته الطبقة المستفيدة من القانون السابق سيئ الصيت بعدائية .
هذه العوامل الداخلية هي الاكثر خطورة على الانتخابات من حيث الاقبال او العزوف وليس الظرف الخارجي واستحقاقات الاقليم، والتعاطي مع هذه العوامل برشاقة وثقة وثبات على تكريس النزاهة ومحاربة التدخل ومطاردة جيوب المال الحرام سترفع من ثقة الناس بالعملية الانتخابية ومن ضرورة المشاركة والتحدي هو النجاح في هذه الحرب الوطنية من اجل اعادة هيبة دورة الحياة السياسية عبر بوابة البرلمان وليس اعلاء ثقافة الرغائبية .