للمرة الالف نؤكد ان السياسات المالية والضريبية يجب ان تتبع السياسات الاقتصادية وتخدمه وليس العكس، الا انه منذ ثلاثة عقود مضت استمرت السياسات المالية في التغول على السياسات الاقتصادية، فالضرائب تفرض بعيدا عن اثارها الاقتصادية والتنموية، ولم تفضِ حتى الان الى تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة التي نسعي اليها، لذلك ليس من باب الصدفة ان يتواصل التباطؤ الاقتصادي ويتعمق سنة بعد اخرى بالرغم من المنح والمساعدات والقروض الكبيرة التي حصل عليها الاردن.
في الدولة العصرية يتم اعداد الموازنات ( النفقات والايرادات ) وفق اهداف مرسومة، وتحدد النفقات من واقع الايرادات المتوقعة دون المبالغة في تقديرها، ولضبط الفقات لاسيما الجارية منها حيث يتم ترشيق الجهاز الحكومي، والاهتمام بالنفقات الرأسمالية لتسريع وتيرة النمو، والاعتماد على دور القطاع الخاص باعتباره المحرك الرئيس في التنمية والاقتصاد، لذلك لايسمح لحجم الموازنة بالتضخم والتمادي على الناتج المحلي الاجمالي حتى لايصاب بالضعف والسقم.
وخلال الـ 15 عاما الماضية تضاعف حجم الموازنة العامة للدولة عدة مرات، وشكلت النفقات الجارية من رواتب ومخصصات التقاعد كرة ثلج تتضخم سنة اخرى، واذكر ان هناك تحذيرات من هذا التحدي على الخزينة والمالية العامة وعلى الاقتصاد الكلي، ولاقناع الحكومات المتعاقبة انفسها وعامة المواطنين اشهرت في الوجوه فزاعات مالية الواحدة تلو الاخرى بدءا بدعم المحروقات الى الكهرباء واخيرا وليس اخرا المياه، وربما الخبز يأتي، وكأن الاردنيين يستهلكون لاول مرة المحروقات والكهرباء والمياه والخبز.
المتعارف عليه دوليا ان هناك سياسات وبرامج اقتصادية عابرة للحكومات، فالمشاريع الكبرى يتم التعاقد عليها ويتم تنفيذها سواء استمرت الحكومة المعينة او شكلت حكومة جديدة فالمشروع يسير بدون خلل، فالقوانين والتشريعات الناظمة للاستثمار تتسم باستقرار ايجابي، والتحديث لبيئة الاستثمار يتم تدريجيا بعيدا عن سياسات متقلبة، وفي نفس الاتجاه فالسياسات النقدية يفترض ان تخدم اولا الاقتصاد والسياسات الاستثمارية وتوفير التمويلات بيسر وبكلف اموال منطقية، وثانيا وثالثا خدمة المساهمين والادارات المصرفية، الا اننا نسبح دوما بعكس التيار.
الواقع المالي والاقتصادي كان يدار بعين واحدة ..ويعتمد وزراء المالية والاقتصاد جمع اكبر قدر ممكن من الاموال من المستثمرين والمستهلكين بغض النظر عن تأثير القرارات المالية على قطاعات الاستثمار والاستهلاك، فالقرارات المالية تتخذ بسرعة دون اجراء دراسات تبين المضاعفات الاقتصادية والاستثمارية والاجتماعية، ويكتفي وزراء بتصريحات متكررة ...مفادها ان القرارات لن تؤثر على اصحاب الدخول المتدنية والمتوسطة، علما بأن معظم القرارات المالية تطال الجميع بشكل مباشر وغير مباشر..علينا العودة الى تشجيع الاقتصاد الحقيقي بقطاعاته الانتاجية وثالثا ورابعا للاقتصاد المالي الذي دفعنا الى الوراء سنوات وسنوات، بالرغم من الثراء المصطنع الذي استفادت منه نخب تنظر الى الخارج اكثر مما تنظر الى الداخل.