لا تؤشر أرقام الاستثمار الأخيرة إلى أن ثمة تغييراً كبيراً سيطرأ على المشهد الاقتصادي القائم حالياً. والوجه الآخر لذلك، طبعاً، تضاؤل فرصة إحداث فرق حقيقي على صعيد مواجهة مشاكلنا الاقتصادية العابرة للحكومات.
إذ تُظهر أرقام "الاستثمار المباشر" في العام 2015، أنه كان -وللأسف- أدنى من حجمه في السنوات الثلاث السابقة؛ ما يعني حكماً عجز الاقتصاد عن خلق فرص العمل الضرورية. وهو ما يحيلنا إلى واحدة من المشكلات الأردنية الكبرى ولعلها الأخطر، هي البطالة بكل تبعاتها الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والسياسية.
فالبيانات والدراسات تشير إلى أن البطالة تُعد بحق "الوحش" الكبير الأكثر شراسة الذي يحدّق فينا. وهي مؤهلة للارتفاع في ظل معطيات تؤكدها وزارة العمل؛ بأن الاقتصاد قادر على توليد 50 ألف فرصة عمل سنوياً، فيما يدخل سوق العمل نحو 120 ألف شخص في العام.
هذه الأرقام؛ لاسيما المتعلقة بالداخلين لسوق العمل تحديداً، لا يمكن وصفها بأقل من أنها صادمة! وتمثل جرس إنذار من حجم المعضلة التي يعاني منها الشباب. تؤكد ذلك أرقام البطالة الأحدث، التي تؤشر إلى ارتفاع نسبتها إلى 14.7 % كمعدل عام، فيما تقفز النسبة بين الشباب لتبلغ 42 %!
ماذا لو لم تتحسن أرقام الاستثمار؛ ما هو مصير أرقام البطالة؟ وعلى العكس من ذلك؛ ماذا سيحصل لو نجحنا في جذب رؤوس أموال، اقتنعت بإنشاء مشاريع مشغّلة للأردنيين؟ هل ستتمكن الحكومة من جعل طوابير الشباب العاطلين عن العمل والباحثين عن فرصة، أقصر؟
بصراحة، القصة معقدة جدا. لكن يظل بدهياً أن بقاء الاستثمار عند الحدود الحالية، معناه تفاقم أزمة البطالة وتبعاتها. وهو ما يدفع إلى النظر باتجاه ثان للحل، يتمثل في تنظيم سوق العمل التي تعاني من تشوهات جمة، حتى لا يكاد يبدو لها أول من آخر.
حكومة د. هاني الملقي بدأت باكورة أعمالها بتشكيل لجنة لتطبيق استراتيجية التشغيل. ثم فتحت نوافذ إقراضية من خلال مؤسسة الضمان الاجتماعي، بحجم 20 مليون دينار. مع أنني لا أدري لم يتم استخدام أموال "الضمان" لهذه الغاية، طالما أن إمكانية توفير نوافذ إقراضية أخرى مسألة ليست صعبة، وتغني عن الخيار الذي اعتُمد.
أداة أخرى قدمتها الحكومة لتوفير التمويل للمشاريع؛ من خلال صندوق التشغيل، وأيضا من خلال بنك القرى والمدن. وفي ذلك حتماً تجسيد لنوايا طيبة على الأقل، لكنه لا يلغي حقيقة أن فرص النجاح من عدمه تظل متساوية.
وإذا كان الحكم على سياسات الحكومة في هذا الجانب سيحتاج وقتا، إلا أنه من بين تفاصيل الخطوات يمكن التنبؤ بأن ما تم لن يكون نافعاً في حال لم يتكامل ويتقاطع مع الشباب واحتياجاتهم. ومن ثم، تبقى فرص المعالجة ممكنة، بل وتتعزز، إن أنصت المسؤولون للمقترحات المقدمة من اللجنة التي شكلتها، والتي تضم بين أعضائها د. عمر الرزاز؛ رئيس الفريق الفني لإعداد الإستراتيجية الوطنية للتشغيل، التي أُهملت لسنوات طويلة.
اليوم، باتت البطالة شبحا يطاردنا، بل وقنبلة موقوتة تتموضع في عقر دارنا وبين أحضاننا. ومن ثم، فإن كل ما يقال عن خطط إصلاح ومشاريع وشراكات، لن يعني شيئا إن لم يقصّر طابور البطالة بين الشباب خصوصاً، ضمن خلق شعور عام لدى هذه الفئة بأهميتها ودورها.
الأخطر علينا
أخبار البلد -