اذا كان للسلام ثرمومتر يقيس درجة حرارته او برودته، فذلك امر له علاقة بمناخات اخرى غير جغرافية بل هي تاريخية بامتياز، وبين ما يسمى السلام الدافىء ونقيضه البارد ثمة سلام فاتر، هو منزلة بين المنزلتين كما يقال، لكن فقه السياسة له أدبيات من طراز آخر، لهذا كان اول من استخدم مصطلح الحرب الناقصة وهو هنري كيسنجر في سبعينيات القرن الماضي أشار أو أوحى على الاقل أن هناك في المقابل سلاما اشد نقصانا لأن الحرب الناقصة تبقى اشبه باستراحة محارب، تشحذ فيها الاطراف اسلحتها وتعيد حساباتها من اجل استكمال الحرب، والسلام الذي تحقق حتى الان قدر تعلقه بالصراع العربي الصهيوني ناقص وفاتر ايضا، لم يصل حدّ الدفء كما انه لم يعد باردا ! ما دام هناك مبادرات تتعاقب ومن مختلف العواصم لاستئناف التفاوض وكأن ما انجز على هذا الصعيد كان مجرد مباريات تنتهي الى التعادل الصفري، وهو ما يسمى في أدبيات السياسة التفاوض من اجل التفاوض وهذا ما يؤدي بالضرورة الى الدوران في حلقة مفرغة والعودة الى المربع الاول ! وما صدر حتى الان من كتب حول فن التفاوض يبدو ان العرب لم يقرأوا مُعظمه، بينما حفظه الطرف الآخر عن ظهر قلب .
والخلل الذي حاول تشخيصه اكثر من مفكر إستراتيجي في الغرب حول المفاوضات العربية مع الدولة العبرية هو باختصار ان الدولة العبرية تحتفظ في كل حلقات التفاوض بمقعد احتياطي هو مقعد الحركة بجانب مقعد الدولة، فاذا احتاجت اليه عادت الى ثقافة المنظمة شبه السرية، وهذا ما اعترف به ذات يوم الجنراك باراك في حوار نشرته الجيروزالم بوست حيث قال «ان مفاوضات تمت مع اشخاص» وليس مع P . L . O وأضاف بخبث ان هذه الحروف التي ترمز الى منظمة التحرير الفلسطينية تبقى متباعدة وغير قابلة للالتئام في كلمة واحدة !
وسواء وصف السلام بأنه بارد او دافىء او فاتر، فإن هذه الأسماء تبقى غير دقيقة لأنه سلام ناقص !
ثرمومتر عربي للسلام !
أخبار البلد -