ما كان في البال أن نترحم على قانون الصوت الواحد سيىء الصيت المقيت، حتى قبل أن يجفَّ ترابُ قبره، ولم تنطفئ عينه بعد. فقد صار واضحاً أن تكتيك القوائم النسبية، لم يجتر لنا القانون المدفون، بكل مفاسده وأسافينه فحسب، بل عمل على إذكاء روح العشائرية بشكل لم نتخيله في مجتمع جلُّ أهله من المتعلمين الواعين.
فبعد أن تكشف الغموض عن آلية تشكيل هذه القوائم النسبية؛ عشنا عودة بشكل دراماتيكي نحو إعادة إنتاج العصبية القبلية الصحراوية بقالب أكثر عنجهية وفجاجة مما كنا عليه قبل نصف قرن أو أبعد، ونعيش تمترساً حماسياً في خندقها، مع الإحتفاء بالعدد، ركوناً إلى قانون الغاب الأول: (عد رجالك ورد الماء)، دون أن يكون في حسباننا أن نظام القوائم جاء ليأتلف من تساوق أفكارهم ورؤاهم، فيشكلون قائمة تنفذ إلى قناعات الناس لتنال صوتهم. المخاضات الصعبة و(المطاحرات) التي ترافق الولادة المتعسرة للقوائم، مرده اليقين التام لدى المرشحين والناخبين على حد سواء، أن كل قائمة لن تفرز إلا مرشحاً واحداً في أغلب الأحيان، وبقية المرشحين ليسوا سوى كمبارس أو مغانط لجمع الأصوات، التي تصب بكل تأكيد في صالح مرشح العشيرة الكبرى. ولهذا سيعمد المرشح الذكي أن يآتلف إلى مرشحين من عشيرة أقل عدد من عشيرته. إننا نعيش فعلاً إقصائيا متاركباً. أنت تقصيني، ويجيء من يقصيك.
ولهذا فبعد نتائج الانتخابات، سنحصد الخلاف والإتهامات المتبادلة، وسنشهد جراحاً جديدة في المجتمع لن تندمل سريعاً، مما يتركنا في خيار وحيد متاح أن نتمترس أكثر حول العشائرية ونعلي من شأنها. وهنا نكوص ما بعده نكوص.
كنت وسأبقى مع العشيرة، تلك اللُحمة الاجتماعية العظيمة الحافظة لتماسك المجتمع بالمحبة والمودة والوئام. ولكني كنت وسابقى ضد العشائرية، التي هي منهج تفكير وتطبيق يقوم على العصبية والقبلية والتعنصر البدائي الإقصائي للآخر. تعلي من شأن رابطة الدم، وتقدمها على كل قيمة إنسانية، حتى لو ذات خير للحياة.
في هذه النهج العجيب المتجدد، سيكون غير مستغرب أبداً أن تعلن عشيرة كبرى بمحافظة صغيرة، عن تشكيل قائمة مغلقة من أبنائها المرشحين، أي (زيتهم في دقيقهم). وكأنهم بغنى عن الآخرين وتآزراتهم وتحالفاتهم، متطلعين أن تتكاثر القوائم وتتبدد الأصوات، ليفوزوا بأكثر من مقعد. و(ليت البقر ما حرث)، فهكذا مضبطة، لا يناسبها إلا هذا الختم.
قائمة العشيرة الواحدة زيتهم في دقيقهم
أخبار البلد -