فلســـــــــــــطين ياعرب
زياد البطاينه
أكتب للصغار.. للعرب الصغار حيث يوجدون... لهم على اختلاف اللون والاعمار..والعيون..
أكتب للذين سوف يولدون.. أكتب.. لأعين يركض في أحداقها النهار... باختصار.. أربعة يلقبون نفسهم كبار... صك وجود الأمم المتحدة.. جاءوا الى موطننا الصغير.. موطننا المسالم الصغير.. فلطخوا ترابنا... وأعدموا نساءنا... ويتموا أطفالنا... ولاتزال الأمم المتحدة... ولم يزل ميثاقها الخطير... يبحث في حرية الشعوب... وحق تقرير المصير... واشتعلت في والدي كرامة التراب... فصاح فيهم: اذهبوا الى الجحيم... لن تسلبوا أرضي ياسلالة الكلاب..!
ايها الصغار
لم يسبق أن تعرض شعب لمثل الخيار البائس المفروض على الفلسطينيين: ألغوا هويتكم فنعترف بكم كلاجئين. انسوا ألوان عيونكم وسمرة جباهكم، انسوا آباءكم وأجدادكم، انسوا شهدائكم انسو أرضكم التي تدعون أنها كانت وطنكم، فنحنُّ عليكم ببطاقة لاجئ وبعض الأرز والسكر والطحين.
حتى اليهود الذين صاروا «بدلاءنا في وطننهم » كانوا مواطنين يحملون هويات البلاد التي يعيشون ويموتون فيها... وعندما قرروا ـ بمساندة العالم كله ـ اجتياح وطننا وطردوا الاهل من جنته كي يقيموا «دولتهم» فوق «أرضنا»، شطب العالم هويتنا التي مصدرها أرضنا وزوّر لها هوية لم تكن لها في أي يوم، ليخرجنا منها... ليلغينا كشعب. من لا وطن له لا هوية له.
يعيش الفلسطينيون الآن بمئة هوية طارئة أو مستجدة، لا تلغي كونهم «لاجئين» وتنفي حقهم بدولة. ليسوا أغراباً في وطنهم. إنهم لا أحد. إسرائيل تعاملهم كطارئين، كغائبين حضورهم هيولي وموقت، لا لهم «جنسيتها»، ولا هم يملكون جنسية دولة أخرى، فإن امتلكوا مثل تلك الهوية كانوا كمن يغتال وطنه.
إنهم غائبون في حضورهم، ومغيبون إذا ما انتسبوا إلى فلسطين.
إنهم الآن أشبه بشتات من القبائل المهاجرة: بعضها داخل الداخل لكنهم لا وجود لهم، وبعضهم ضيوف طامعون في الحكومات او أخوة أعزاء في زيارة مفتوحة لهم فيها حقوق المضيف جميعاً ما عدا هويته، او طارئون يخلون بالتوازن الهش في الدولة التي تعتبر الأم الولود فيها «هدامة» و«معادية للنظام» الذي ما زال يعتمد إحصاء «رعاياه» الذي كان في العام 1932.
في التقديرات أن عددهم يتجاوز الخمسة ملايين... وهم كانوا حتى اتفاق أوسلو (1993) «فلسطينيين»، لكنهم بعد ذلك شطبوا من أي إحصاء.
قبل ذلك كانوا مشاريع فدائيين يحلمون بأن يحملوا دماءهم على أكفهم، على طريق العودة.. بعد أوسلو سدت الطرق وأسقطت عنهم الهوية مجدداً فصاروا غائبين في حضورهم، برغم أنهم حاضرون حتى في الغياب.إنهم «أمم شتى»، يعيشون وطنهم في أحلامهم، ولكنهم يجدون أنفسهم مضطرين إلى حفظه في قلوبهم أو في الذاكرة حتى لا يشاغب عليهم حضوره فيهدد حضورهم. تعيش لاجئاً بلا هوية محددة أو تخسر فلسطين، فتكون بأن لا تكون!هذا العدد من «فلسطين» عن الوطن الذي فقد أهله ففقدوه... لكنهم ما زالوا وسيبقون من فلسطين ولها حتى آخر نفس.
وآن الآوان ليتوحد الموقف العربي حول قضية فلسطين. فالعرب عاشوا مدة طويلة من الزمن كانوا خلالها في حال تعارض لا بل نزاع حول مفهوم قضية فلسطين وحول مفاهيم العمل من أجلها. كانت القضية توجز تطلع العرب جميعا الى تحرير فلسطين من الاحتلال والهيمنة الصهيونيين. ومع الزمن انقلب هذا الطموح الى المطالبة المتواضعة بكيان في الضفة الغربية عاصمته القدس يتمتع بالسيادة والاستقلال، وتكون بقية فلسطين كياناً إسرائيلياً يناصب العرب العداء.
لو كان العرب أمة متماسكة لكانت هناك أكثر من حاجة لمراجعة المواقف الرسمية توصلا الى الإجماع او شبه الإجماع على نظرة واحدة للقضية، يرى فيها العرب حلمهم بتحرير فلسطين كل فلسطين وقيام دولة عربية على أرضها تضم الشعب الفلسطيني قاطبة ومعه ربما جاليات اخرى، ومنها جالية يهودية. يكاد لا يكون في العالم كيان لا يضم الى جانب أهل البلاد، جاليات من هويات مغايرة. فليكن ذلك في فلسطين العربية.
إن تسليم العرب بعد سنوات من العناء والنضال بكيان عربي على جزء من فلسطين، لا مبرر له سوى القنوط من تحقيق هدف التحرير كاملاً. وهذا غير مقبول وغير مشروع. انه غير مقبول باعتبار ان فلسطين عربية في أصولها وواقعها كما في رهانات أبناء الأمة في أكثريتهم الساحقة. فلمَ التنازل المجاني؟ ومن جهة اخرى فإن الصهيونية حركة استعمار واستغلال وهيمنة، ان تركت على رسلها استولت على فلسطين او معظمها وجعلت من وجودها منطلقاً للسيطرة على إمكاناتها وثرواتها ومواردها ومسارها.
قلما مر في التاريخ ان تطالب أمة بنصف حق. فالحق يكون واحداً متكاملاً او لا يكون. وهكذا الحق العربي في فلسطين السليبة. فإما ان يكون حقاً واحداً متكاملاً او لا يكون. فنحن إما نكون او لا نكون أصحاب حق مشروع في فلسطين. ولا اعتقد ان بين العرب من ينكر على أمته حقها الكامل والمشروع في فلسطين من البحر الى النهر. فعلام كانت التسوية المجانية بالتنازل عن أكثر من نصف هذه الأرض العربية؟ نحن نرى انه ما كان من مبرر او موجب لذلك سوى الكلل والتردد والخضوع لإرادات متسلطة تتحكم بها النظرة الصهيونية حيال فلسطين. ونحن نرى ان لا مساومة على حق وطني او قومي أياً تكن الاعتبارات. لا بد من ان يعود العرب الى أصالة ايمانهم ومعتقدهم فينضووا جميعاً تحت لواء المطالبة بتحرير فلسطين كلياً وإقامة كيان عربي على أرضها تكون عاصمته بالطبع القدس. هذا ما ينبغي ان تكون عليه قضية العرب المركزية مهما تطلب تحقيق الهدف الأبعد من جهد وعناء، ومهما اكتنفه من تعقيدات وصعوبات، وأياً يكن رأي القوى العظمى والفاعلة في العالم التي رهنت إرادتها في هذا المضمار للحركة الصهيونية العالمية للأسف الشديد.
هذه النظرة الى قضية العرب المركزية لن تستقيم إلا بتوحيد الموقف الفلسطيني حولها أولاً. فليس من المتوقع ان يسلّم العالم بهذه النظرة المشروعة من جانب العرب ان لم يكن الفلسطينيون أنفسهم مؤمنين بها ويلتزموها ويناضلوا من أجلها بكل الوسائل المشروعة المتاحة. هذا مع العلم، للأسف الشديد، بأن أكثر، لا بل أبرز، التنظيمات الفلسطينية هذه الأيام باتت تكتفي في صوغ أهدافها المعلنة بالمطالبة بتقسيم فلسطين على الوجه الذي يقيم لعرب فلسطين كياناً مستقلاً ويترك القسم الأكبر من فلسطين للصهاينة المغتصبين.
إن ذريعة الذين يتواضعون في مطالبهم إنما تتمحور في أكثر الحالات على دعوى الواقعية وانتصاب عقبات وصعوبات جمّة تعترض سبيل مطلب التحرير وإقامة الدولة العربية على مجمل أرض فلسطين. ونحن من الذين يرون ان القضية الوطنية والقومية تفترض نضالاً وجهاداً عنيدين، لا ينيان مهما بلغت العقبات والصعاب. أما التنازل المجاني عن جوانب مبدئية من القضية فهو في غير محله ويجب ان يكون مستبعداً في كل الأحوال.
وأخشى ما نخشاه ان يؤدي التنازل عن بعض الأهداف الى التخلي عنها كلها. فمن يرضَ بأقل من حقه لا يعُد له حق في نهاية المطاف.
أخيراً، فنحن من الذين يؤمنون بأن قضية فلسطين ينبغي ان تكون حافزاً للعرب، في شتاتهم الأليم اليوم، لأن يرصوا صفوفهم وينبذوا كل ما يفرق بينهم توصلاً في يوم من الأيام الى الوحدة الناجزة بين شعوبهم. أوروبا، على تباين شعوبها وأقطارها، أقامت اتحاداً في ما بينها. فلم لا يكون العرب، وهم أمة واحدة، موحدين، متكافلين متضامنين؟