من نتائج وخلاصات انتخابات المجالس النيابيه (الخامس عشر والسادس عشر)وانتخاب آخر المجالس البلديه أثبتت أن الأزمة هي القاسم المشترك بين الحكومات و مختلف الفاعلين في الحقل السياسي خاصة بعد تراجع نسبة المشاركة ومقاطعة أغلبية الشعب الاردني للانتخابات , ظاهرة بررها اغلب الباحثين في علم السياسة أنها تعبير صريح عن موقف وليس مجرد إهمال.
صحيح أن جميع الديمقراطيات في العالم الثالث تشهد مشاركة هزيلة , وهدا مثار نقاش ذو أبعاد فكرية سياسية وسوسيولوجية ,لكن للأسف ما أسفرت عنه نتائج هذه الانتخابات أمر يخيف الجميع رغم المجهودات التي بذلتها الدولة ومختلف الفعاليات السياسيه لحث الشباب على المشاركة في الانتخابات.
يربط العديد من الباحثين والمهتمين بين المشاركة السياسية للشباب وبين التطور الديمقراطي وتعمق حس المواطنة، على أساس أن السنوات الماضية خلفت انعكاسات سلبية على حجم المشاركة السياسية للشباب في الأحزاب، بسبب غياب هذين العنصرين، وهو ما يتعين العمل على تصحيحه مستقبلا.
إن عزوف الشباب الاردني عن اقتحام أدغال السياسة وأهوالها, راجع إلى تراكمات كثيرة, على جميع المستويات الاقتصادية, الاجتماعية, السياسية والثقافية تتحمل فيه الدولة النصيب الأكبر بعد تدخلها في عملية تسييس الانتخابات بالإضافة الى مسؤولية الهيئات السياسية والتي أصبحت عاجزة عن صياغة برامج أكثر عمقا لتحسيس الشباب بأهمية العمل السياسي .
على المستوى الاقتصادي لابد من التذكير أن الشباب الاردني يعاني من عدة مشاكل وهي السياسه الاقتصاديه وبالتالي إنخراطه في العمل السياسي , ومن بين المعدلات المثيرة للاهتمام والعجب معدل البطالة , بالإضافة إلى أن نسبة كبيرة من الشباب خاصة في المناطق القرويه والارياف يزاول أنشطة ذات طابع موسمي غالبا ما يترجم واقع بطالي غير منتج أكثر ما يعبر عن تشغيل حيوي . من جهة أخرى, تساهم آفة الفقر والفساد والتي تمس أغلب الشباب تكريس ثقافة العزوف عن الممارسة السياسية.
ويبقى غياب البنى التحتية ,ولا سيما بالمناطق المعزولة, من خدمات صحية ,الماءالصالح للشرب,الكهرباء,التجهيزات الرياضية,المؤسسات الثقافية من أهم العراقيل البنيوية التي تدفع الشباب إلى رفض كل مشاركة سياسية .
من جانب أخر , يجب التذكير أن مؤسساتنا الحزبية وللأسف لا تؤدي وظيفتها المخولة لها من طرف الدستور وقانون الأحزاب المتمثلة في تأطير المواطنين وتربيتهم على الثقافية السياسية وقيم المواطنة , والمثير للعجب ,أن هذه الأحزاب غير متواجدة أصلا في القرى والأرياف , ولا تعرفها الساكنة إلا من خلال الانتخابات مما يزيد من تعقيد مسألة تواصل المواطنين خاصة الشباب معها ,وبالتالي يولد فقدان الثقة فيها ... وهذا شيء ليس في صالح الديمقراطية, ولا السياسة, خاصة أن بلدنا يطمح إلى تحقيق انتقال ديمقراطي اوسع و لا يخفى على أحد أن من بين الأسباب التي تعيق ممارسة الشباب للعمل السياسي هو أن معظم الشباب الحزبي في الاردن على رأسها قيادات غير شابة تفرض على الشباب بطريقة التعيين أو الترشيح المركزي وتساق تبريرات كثيرة حول استمرارية القيادات القديمة تحت مسميات الخبرة والممارسه وسعة التجربة والحفاظ على التوارث بين القديم والجديد , ولكنها في حقيقة الأمر ما هي إلا تبريرات للحفاظ على استمرار ضمان الهيمنة الحزبية على الشباب من خلال بعض القيادات التي تجاوزت عمر الشباب, و منها من دخل في العقد السادس وأكثر وهو يقف على رأس شباب حزبي, و بما يعني احتجاز التطور للكوادر الشابة والحد من عملية التجديد, و من هنا يجب وضع الحد الفاصل بين سن الشباب المنخرط في العمل الحزبي وسن الكهول المرتبطة بقنوات الحزب .
وفي نفس السياق , يرى العديد من الشباب أنه لا جدوى للانخراط في الأحزاب ما دامت بلادنا تعرف ميلاد طبقة جديدة من التقنوقراط اتسع نفوذها وأصبحت تسيطر على الإستوزار الحكومي ، رفض الشباب للسياسة يزداد حدة طالما أن الديمقراطية الداخلية للأحزاب لم تترسخ بعد، وطالما أن الجو العام السائد داخل الأحزاب لا يوفر أي هامش للعمل السياسي البناء والمثمر المبني على تفجير الطاقات والمواهب التي يزخر بها الشباب.
لكل ماسلف ذكره انصراف الشباب عن العمل السياسي و واكبه بروز ظاهرة الانخراط القوي للشباب في جمعيات المجتمع المدني، باعتبار أن هذه الأخيرة تقترب من قضاياهم و مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية بصورة ملموسة , مما يساعدها على التأثير في واقعهم , بل وتخصص حيزا لفئة الشباب لتكوين قيادات تشاركية دون إقصاء , وفضلا عن هذا فإنها ملمة بمجموعة من القضايا كالتشغيل والبطالة والتعليم والصحة والثقافه وأكثر فهما لخصوصية الشباب وميولاته المتنوعة.
ان انخراط هذه الفئة في الجمعيات و العمل داخل هيئات المجتمع المدني يُخول لها المشاركة في تدبير الشأن العام وإن كان بشكل غير مباشر، من خلال المساهمة في تطوير المجتمع، ودعم التنمية، والمساهمة في محاربة الظواهر الاجتماعية السلبية.
إن معالجة الرهانات والتحديات المطروحة على الساحه الاردنيه لن تأتي إلا بفعل سياسي قوي وديمقراطي يكون الشباب من خلاله فاعلا رئيسيا , حقيقيا ومباشرا مما يحتم على كل الفاعلين رسم سياسات وخطط متوسطة وطويلة الامد تكون محصلتها وضع الشباب في سياقهم المجتمعي الصحيح كقوة متغيرة رئيسية ومبادرة .
اشرف ابراهيم الهيشان الفاعوري
carnvilfaory@yahoo