يُلِحُّ العين طلال أَبو غزالة على وجوبِ الإِصلاح الاقتصادي في الأُردن، والمنسيِّ مع كلامٍ كثيرٍ عن الإِصلاح السياسي، فيما هذا لا يستقيمُ من دون قاعدةٍ اقتصاديةٍ متينة. ويقول، وهو الخبيرُ العتيقُ في هذا الشأْن، إِنَّه لا يلحظُ رؤيةً وتوجهاتٍ اقتصاديةً للحكومة، توضحُ المسارَ الذي نريدُه للاقتصاد في بلدنا، فيما لها برامجُها وخططُها للتغلب على مشكلاتٍ قائمة. يتحدَّث عن هذا وغيرِه، في مقابلةٍ شائقةٍ معه في برنامج «مال وأعمال» على التلفزيون الأُردني، يَشْعُر من أَنصتَ إليها، الأُسبوعَ الماضي، بأَنَّ ثمَّة تَشوشاً في تداولِ الحكومةِ ومجلس الأُمة المسأَلةَ الاقتصادية. ولمّا كنّا من غير أَهلِ الاختصاص، فإِنَّ ما بسطه أَبو غزالة من اجتهاداتٍ وأَفكارٍ تستحقُّ التفاتَ هؤلاءِ إِليها، لعلَّ تعقيباتِهم عليها تُثري نقاشاً عاماً مطلوباً في البلد، ينجذِبُ إِليه من اعتادوا على عدم دسِّ أُنوفهم في الاقتصاد، بدعوى أَنَّ ذوي الكفاءَةِ في شؤونِه أَقدرُ في الحديثِ عنها. ولعلَّ الأَهمَّ في المقابلةِ، وأَجراها المذيعُ الناجح موفق حجازين، أَنَّها اتَّصفت بتيسيرِ المعلومة، وتقريبِ الأَفكار إِلى أَفهامِ المشاهدين ومداركِهم، وابتعدت عن الكلامِ المُضجر عن قضايا الناسِ وبلدِهم بالكيفية المتعالية والعويصة إِيّاها.
ينتقد أَبو غزالة الكلامَ الحكوميَّ الغزيرَ عن الشراكةِ مع القطاع الخاص، باستماعِ الوزراءِ المعنيين لآراءِ رجال أَعمالٍ وخبراءَ يختارونَهم، ثم يتَّخذون القراراتِ التي يريدون، ويوضحُ أَنَّ الشراكةَ الحقيقيةَ هي في صنع القرار، وليس في طلبِ المشورةِ فقط. وإِذْ ينتقدُ التركيزَ على المشاريعِ الاقتصادية الكبرى، فإِنَّه يؤَكِّد الأَهميةَ البالغةَ والتأْثير الإِيجابيِّ النافع للمشروعات الصغرى، ولا يجدُ عائداً على البلد وناسِه من قطاعي العقار والبورصة. ويُشدِّدُ على أَولويةِ تصويبِ الرؤْيةِ في الأًردن من انفتاح السوق إِلى حماية منتجاتِنا. وبدا حديثُ أَبو غزالة، وهو من أَهمِّ اختصاصيي المحاسبةِ المالية في العالم، عن الموازنةِ العامّةِ لبلدِنا شديدَ الأَهمية، بالنظرِ إِلى علامات استفهامٍ مطروحةٍ، برأْيه، على أَرقام العجز، وعدم وضوح الدَّيْن العام، ما إِذا كان ديْنَ الحكومةِ أَم كل الالتزاماتِ المترتبةِ على مؤَسساتِ الدولة، بما فيها المؤسساتُ المستقلة، وهذا ما ينبغي أَنْ يكون، بحسبِه. ولا يرى مناسباً ضمَّ المساعداتِ والأَرقام الافتراضية إِلى أَرقامِ الإِيرادات والاعتمادات، من قبيلِ احتسابِ الموازنةِ سعر النفط 80 دولار، فيما يلزم افتراض أَنَّه لا يقل 120 دولار.
قضايا غيرُ قليلةٍ تتعلقُ في صميمِ النقاش الوطنيِّ الأُردني، سيّما وأَنَّ الرجل في أَثناءِ حديثِه عنها يحيلُ إِلى ضعفِ أَداء مجلسي الأَعيان والنواب في عدم المبادرة بإِدراج مشاريع قوانين، وفي مراقبةِ الحكومة ومحاسبتِها ومتابعةِ تنفيذِ القرارات. والطيِّبُ أَنَّه يرى الوضعَ الاقتصاديَّ الأُردني الراهن ليس قدراً، وأَنَّ المسؤولياتِ بشأْنِه تتوزَّع على الجميع، بما فيها المجتمع، وأَكَّد قدرةَ الأُردنيين، بالمعطياتِ الرقمية، على تجاوزِ الصعوبات الماثلة. وإِذْ يعتزمُ العينُ المحترم دعوةَ الجهاتِ ذات العلاقةِ بالشأن الاقتصاديِّ في الحكومةِ ومجلس الأُمة والقطاعِ الخاص والخبراءِ إِلى ندوةٍ دراسيةٍ يُنظمُها، لا تنشغلُ بانتقادِ الأَحوال، بل بأَسبابِ ما وصلَ إِليه الاقتصادُ المحليُّ من إِشكالات، للخروجِ بصيغٍ عمليةٍ تنتشلُه من عثراتِه، إِذْ يُشْهِر أَبو غزالة عزمَه هذا، فالمُتمنّى أَنْ تنجحَ بادرتُه المحمودة، وهو ما ليس صعباً، بالنظرِ إِلى أَنَّ الداعي إِليها رجلُ تحليلٍ وعلمٍ وأَرقام، لا مطرح لديه للإِنشاءِ والعواطفِ المسترسِلة، كما لمسنا ذلك في غيرِ مناسبة، ومنها مقابلةُ التلفزيون الأُردني معه الأُسبوع الماضي.