اخبار البلد- المحامي الدكتور غازي الذنيبات-لن نتعرض في هذا المقال لما تعانيه هيئة مكافحة الفساد من نقص في الوسائل المادية والبشرية اشتكى رئيس الهيئة سابقا من نقصها ،بل سنقتصر على مراجعة الجوانب التشريعية الناظمة لعمل الهيئة، فهذه الهيئة وفي ظل غطائها القانوني الحالي تفتقر الى الاسناد القانوني الكافي الذي يمنحها القوة والحياد والاستقلال اللازم للقيام بعملها واقل ما يمكن ان يتصف قانون الهيئة انه قاصر ، وهو غير كاف لانجاز ما هو مطلوب من هذه الهيئة ، وما تتعرض له من ضغوط شعبية ورسميه لانجاز شيء ما في هذا المضمار، للاسباب التالية : ـ
1. فهي من ناحية الاختصاص القضائي لا تعدو ان تكون فرعا من الضابطة العدلية في جانب معين من القضايا يتعلق بالفساد الحكومي المالي والاداري ، وسلطتها بهذا المعنى لا تتعدى سلطة مأمور الحراج او موظف المكتبة الوطنية ، او مراقبي الصحة كل ضمن اختصاصه ، او رجال الشرطة لا بل ان اختصاص رجال الشرطة هو اختصاص عام يستطيع ملاحقة كافة الجرائم بما فيها قضايا الفساد بكافة الصلاحيات القانونية الممنوحة للهيئة .
2. تقتصر صلاحيات الضابطة العدلية عموما من الناحية القانونية على جمع الاستدلالات ، ولا يحق لها القيام بالاستجواب او مواجهة المتهمين بالادلة ،او مقابلة الشهود ببعضهم ،وكل ما تقوم به في هذا الجانب يعتبر باطلا ومبطلا ، فهي ليست سلطة تحقيق فالتحقيق الابتدائي ينطلق من لحظة مباشرة النيابة العامة اجراءاتها، وحتى الاعترافات التي يدلي بها من يخضعون للتحقيق الاصل العام انه لا قيمة لها عند وزن البينة الا اذا قدم المدعي العام ما يثبت ان هذه الاعترافات قد ادلى بها من تنسب اليه بطوعه واختياره.
3. هيئة مكافحة الفساد من الناحية الواقعية ليست جهة قضائية، وهي احدى دوائر الحكومة ورئيس الحكومة هو من يعين مديرها واعضاءها وينتدب ويعين لها موظفيها ويمدد لهم خدمتهم او ينهيها ويصرف لها قرطاسيتها واحتياحاتها بنص القانون ، والحالة هذه فان حياد هذه الهيئة يظل محل شك، وهي بهذا الوضع وحسب معايير النزاهة الدولية غير مؤهلة للتحقيق في فساد الحكومة ورئيسها ان وجد.
4. عندما تحدث المنازعات حول الاختصاص بين الهيئة والجهات الاخرى مثل مجلس النواب والنيابة العامة فان مرد ذلك هو قصور التشريع الناظم لتحديد الاختصاص على نحو حاسم ، وعندما يصرح عطوفة رئيس الهيئة بانه سيتوقف عن متابعة التحقيق في بعض القضايا بسبب تنازع الاختصاص، فمرد ذلك هوغياب القانون، فالموظف العام يلزمه القانون باداء واجبه ، ويمنعه من تجاوز صلاحياته ، بعكس الموظف الخاص الذي يتمتع بقدر من الحرية في اختيار عمله .
5. من ناحية قانونية بحتة يستطيع اي مدعي عام مختص ان يضع يده على اي قضية تحت يد الهيئة ، لا بل ويستطيع ان يكف يدها عن متابعة التحقيق فيها ، باعتباره صاحب الاختصاص الاصيل والولاية العامة .
6. يستطيع اي مواطن ان يلجا للنيابة العامة مباشرة وان يطلب احالة قضيته لدى الهيئة الى الجهة القضائية صاحبة الاختصاص الاصيل بالتحقيق، وان يمتنع عن الادلاء باية اقوال او تقديم اية ادلة لديه الا بحضور النيابة العامة.
7. ان دعم وتشجيع جلالة الملك للهيئة على اهميته ولزومه لمنح الهيئة الفوة الكافية للمواجهة الا انها لا تكفي ولا بد من غطاء قانوني ، لا بل ان الامر يحتاج الى تعديل دستوري ، فان اي نزاع في مجال الاختصاص سواء مع مجلس النواب او الادعاء العام محسوم سلفا لصالح الجهات الاخرى التي تستمد اختصاصاتها القضائية من الدستور .
وفي الختام : اذا كان نجاح عمل الهيئة مطلوبا فعلا فيجب ان تلحق بالنيابة العامة. وان يراسها قاض من كبار رجال النيابة العامة وان يكون جهاز الهيئة ملحقا بالقضاء يقدم الخدمة والمساعدة لاعضاء النيابة العامة .
.