اخبار البلد : بشار مخلد الغمار - بادئ الأمر لا بد من الإشارة بشكل واقعي ومنطقي عن وجود تراجع واضح للدور الإقليمي الأردني على الساحة العربية بشكل خاص وفي المنطقة ككل؛ والسبب في ذلك هو الاتجاه نحو سياسة الانطواء على الذات وترتيب البيت الداخلي الأردني _ وهي أولوية هامة تستحق وقفة ثناء و تقدير_ إلا أن ذلك لا يعني الانعزال عن هويتنا العربية الأصيلة والابتعاد عن قول كلمة الحق و ممارسة الدور المحوري الذي كان يمارسه الأردن في عهد المغفور له جلالة الملك الحسين .
فقد أسس _ رحمه الله_ منهجية الوسطية والاعتدال في التعامل مع كافة ملفات المنطقة ومحاولة الوصول لحلول منطقية ترضي جميع الأطراف ، حيث كانت عاصمتنا عمان مرتعاً خصباً للوفاق والاتفاق ، ولنستذكر اللقب الذي اصطبغت به "عمان الوفاق"؛ فكانت موئلاً لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" ، وداعماً لمنظمة التحرير "فتح" ، وحاولت على طيلة السنوات السابقة إيجاد صيغة توافق بينهما تجاه قضيتهم كجانب فلسطيني ينطق بصوت واحد وينبض بمشاعر فلسطينية واحدة لمحاورة الجانب الإسرائيلي ، ورعت في أثناء ذلك اتفاقات وعهود ومواثيق بين الجانبين كانت فيه عمان المحطة الرئيسية على خارطة المنطقة السياسية في حين لم يعرف أحداً سو ى الأردن كلاعب إقليمي محوري انفرد في رسم سياسات الملف الفلسطيني، فكان حاملاً للهموم الفلسطينية ويسعى جاهداً لحل القضية المركزية بشكل ناجع ، ومثال ذلك ملاحظة الهدوء شبه التام على الساحة الفلسطينية الإسرائيلية وما آلت إليه الأحداث بعد العام 2000م بشكل متسارع في ظل عدم وجود وسيط حقيقي .
والأردن أيضاً كان الرئة الوحيدة التي كان يتنفس منها العراق قبل الحرب عليه ومعبراً هاماً للوصول إلى العالم الخارجي حيث الحظر الجوي والعقوبات الاقتصادية، وحوت في أحضانها اللاجئين العراقيين الفارين من ويلات الحرب والضربات الجوية عليهم.
ولنستذكر كثيراً من الأحداث التي كانت الدولة الأردنية جزءاً من معادلتها فقد كانت راعياً لاتفاق المصالحة اليمنية بين الرئيس اليمني علي عبدالله صالح والمعارض علي سالم البيض. وملجئاً للإخوان المسلمين في سوريا بعدما تم نفيهم . . . أضف إلى ذلك الإنجــازات التراكمية لقوتنا المسلحة في حفظ السلم والأمن العربي طيلة عقود مضت.
والآن بعد كل ما سبق ومقارنة الماضي بالحاضر ؛ لا نستطيع القول إلا أن هناك تراجعاً ملموساً في حركة السياسة الخارجية ونشاطها؛ فقد تشابه الأمر علينا ولم نعد ندري هل ما زالت القضية الفلسطينية فعلاً قضية مركزية أم أنها أصبحت مركزية للمصريين ونحن تركناها لترعى اتفاق المصالحة الأخير بين حماس وفتح على الرغم من الوضع الداخلي المصري ؟ ومن الأجدر أن يرعى العراق ومصالحه كجار قريب وحليف قديم ، نحن أم قطـر و مصــــر و إيران ؟ ومن الأولى في المحاولة لكبح جماح القمع والسفك في سوريا والتوصل لحل منطقي ينهي هذه المجزرة الدموية لثورة أهالي حوران ، نحن الأقرب جغرافياً لحوران السورية أم تركيا ورئيس مخابراتها البعيدان جغرافياً ؟ وتبقى الأسئلة تطرح إلى ما لا نهاية ؟؟؟؟؟؟
أقول في نهاية حديثي أن الأردن تراجع عن عنصر المبادرة في طرح الحل ورسم سياسات المنطقة، وخرجت دول لم تكن موجودة كعنصر أساسي في بعض الملفات الإقليمية: كقطر والسعودية وإيران...... وحتى فنزويلا!!!!!! ولذا كان لابـــد من أن يصنف الأردن كلاعب احتياط يستدعى وهو غيبة من ذلك على قاعدة " تـــعا تـــعا روح روح" ، وليس كلاعب إقليمي محوري في إدارة الملفات الإقليمية، يلم بقواعد اللعبة السياسية في المنطقة ويكون سبباً في تحريكها .