اخبار البلد-علي السنيد- تحاول قطر أن تحاكي الدور التاريخي للجزيرة العربية التي كانت تعمل على بث بذور التغيير في الشام، والعراق ، والمغرب العربي في حين تفشل الشام أو الجناح المغاربي في أن يحدث تغييرا موازيا في الأوضاع في داخل الجزيرة العربية، وهو ما يؤكد قوة هذه الثقافة التي خرجت في أكثر من فترة تاريخية من الجزيرة العربية، وقد كان هذا التغيير طبيعيا ويتوافق مع أحوال الجزيرة منذ بعثة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، وما أعقبها من فتوحات إسلامية غيرت وجه العالم القديم، وانتقال بني أمية والعباسيين إلى الشمال العربي لإدارة العالم الإسلامي، ومرورا بدعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب، ومن ثم حركة الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف الحسين بن علي، وصولا إلى الدور الذي تحاول قطر أن تتقمصه اليوم من خلال دخولها على خط التغيير في الدول العربية خارج أطار الجزيرة العربية بواسطة قناة الجزيرة، وهي تقود اليوم ثورة ديمقراطية تحاول أن تطلقها بأداتها الإعلامية التي بلغت مدار العالمية، وربما أنها تحاول أن تنافس الدور السعودي ذو الصبغة الدينية المتواصل في شتى المناطق، والذي انطلق من مكة المكرمة، والمدينة المنورة وتحاول ان تجاريه بدعوة علمانية تستمد ذاتها من منجزات الإنسان الأوروبي في مجالات علم الاجتماع والسياسية، وقد تكون واقعة في حالة تحالف مع جهات عالمية تستهدف إجراء تغييرات عميقة في الذهنية العربية والإسلامية .
إلا أن المفارقة العجيبة هذه المرة لبواعث التغيير المنطلقة من قطر التي هي جزء من الجزيرة العربية تكمن في افتقادها عمليا لأساسيات الدعوة الجديدة الساعية لبثها عبر قناة الجزيرة، فهي تعاني في مجال النظام السياسي، والبنية الاجتماعية، وافتقارها إلى الوسائل الديمقراطية في إدارة مؤسسة الحكم، وهي لا تملك تجربة ديمقراطية تصلح كي تكون نموذجا ملحا لإجراء التغيير الديمقراطي في الشام، وربما أن الشام والمغرب العربي على علاته أكثر تقدمية منها في مجال نظام الحكم ، وقد ظهرت فيه بعض هياكل النظام الديمقراطي، وهنالك مجالس شعب منتخبة، والية قد تتشابه في بعض من مجرياتها مع آليات النظام الديمقراطي، ويعتبر سجل بعض الدول أكثر نظافة منها فيما يخص حقوق الإنسان والأعراف والممارسات الديمقراطية. فما الذي تمتلكه قطر اليوم كي تكون مبعث ثور تغيير قادمة من الجزيرة العربية.
ومن يراقب الدور القطري - ناهيك عن قناة الجزيرة- في الدفع إلى التغيير الديمقراطي في منطقة الشمال العربي يظن أن هذه الدولة تعتمد الأسس الديمقراطية في نظام حكمها، وأنها تبحث عن التأثير الثقافي في مجالها العربي من وحي تجربتها الديمقراطية، وبالتالي تلتقي مع الدور التاريخي للجزيرة العربية غير أن واقع الحال يفصح عن تناقض بين الدور الذي تتقمصه قطر من خلال قناة الجزيرة، وبين حقيقتها المرة التي تكمن في كونها دولة تعيش فعليا أجواء النظام التقليدي القديم بمكوناته التاريخية.
وقطر بصيغتها تلك لن تستطيع مواصلة الدور التاريخي المتمثل بتأثيرات الجنوب في الشمال، وستبدو في ممارسة هذا الدور المتبلور من خلال رسالة قناة الجزيرة الإعلامية بوضوح اكبر أن هذه القناة والرسالة مقحمة على خط قطر، مما يشير ربما إلى وجود توظيف دولي خاص بقطر في إطار مشروع كبير يخضع فيه الشام، والعراق والمغرب مجددا لهذا التأثير الجديد، ويكون هذه المرة بالوكالة عن نظام دولي فشل في أن يدخل في صلب المنطقة ثقافيا، والتي كانت ثقافتها الدينية مانعة لها من الذوبان مع أي تغيير يأتي في إطار استعماري، وخاصة من قبل الأعداء التقليديين للعالم العربي الذين فشلوا في إخضاع المنطقة بشكل مطلق منذ فجر التاريخ.
قناة الجزيرة التي تحاول أن تبدو وكأنها تقف من خلف الثورات العربية التي ترفع مطالبات وصول الشعوب إلى الحكم والإدارة في الشمال العربي لن تستطيع أن تستمر طويلا في تقمص هذا الدور كونها تفتقد إلى خلفية ثقافية تمكنها من إجراء التغيير التاريخي على غرار ما تفعله الجزيرة العربية عادة وتفتح من خلاله صفحة زمنية جديدة في حياة الأمة.