د.محمد احمد جميعان
لقاءات متكررة ، تعقدها الحكومة واعضائها بشكل او بآخر مع بعض المتقاعدين العسكريين تحت مسميات ومناسبات كثيرة ، غايتها واحدة هو احتواء الحراك الاجتماعي الاقتصادي للمتقاعدين العسكريين ، الذي وصل ذروته باعتصامات متكررة وملتزمة ومتزنة امام الديوان الملكي العامر...
جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن ، لان هذه اللقاءات لم تسفر عن رفع المظلمة،وجاء بمثابة تصعيد للاحتقان ووسع حيز المطالبات بمواصلة هذه الاعتصامات والاصرار على استمرارها الى حين تحقيق غايتها النبيلة التي لا تخرج عن رفع الظلم وتجاوز الجوع والفقر وتحقيق العيش الكريم لرفاق السلاح واصحابه.
دولة الرئيس الدكتور معروف البخيت رفيق سلاح اكن له كل محبة واحترام وتقدير واقدر ظروف حكومته وما تواجهه من تبعات تخبط حكومة سابقة وواقع خارجي ملتهب، كان واضحا وصادقا ودقيقا ، قرات كلامه بدقة وتمعن، فهو لم يعط وعودا ولم يعلق الامال،بل جاء حديثه مباشرا ان جل ما يمكن تقديمة كرئيس حكومة هو- وهنا انقل خلاصة تصريح رئاسة الوزراء- وهو تصريح معبر " اعلن رئيس الوزراء الدكتور معروف البخيت ان الدراسة الشاملة لاعادة هيكلة الرواتب ومؤسسات القطاع العام التي ستعرض على مجلس الوزراء بعد غد السبت تتضمن في احد ملاحقها كيفية تحسين رواتب المتقاعدين المدنيين والعسكريين . واكد البخيت ان الحكومة تركز على العدالة بمفهومها الشامل بما فيها الرواتب وتوزيع مكاسب التنمية على المحافظات واكد رئيس الوزراء تقدير الحكومة للخدمات والتضحيات الكبيرة التي قدمها المتقاعدون العسكريون وحرصها على المحافظة على كرامتهم على الصعيدين المادي والمعنوي.وحث رئيس الوزراء المتقاعدين على التفكير بعمل جمعيات تعاونية زراعية والبدء بمشروعات انتاجية صغيرة"
وهنا ارجوا من اخواني المتقاعدين الملاحظة بدقة، لقد حثهم بعمل جمعيات تعاونية والبدء بمشروعات انتاجية صغيرة.. ؟! واكد على العدالة بممفهومها الشامل...؟! وان الدراسة تتضمن في احد ملاحقها كيفية تحسين رواتب المتقاعدين المدنيين والعسكريين... ؟! والسؤال هنا لكافة المتقاعدين العسكريين القدامى قبل حزيران 2010 والذين يشعرون بالظلم والغبن هل هذا ما تريدون ؟! وهل ما تم رفع الظلم والغبن عنكم ؟!
ان ما يطرحه المتقاعدون العسكريون ما قبل حزيران 2010 والذين يفوق عددهم (150) الف ، يعيلون نحو مليون نسمة ، هو رفع الظلم وليس تحسين رواتب ، هو العدل والمساواة بالمتقاعدين الجدد، فكلهم متقاعدون في دولة واحدة وتحت نظام سياسي واحد ويحكمهم نظام تقاعدي واحد يجب ان لا يميز بين القديم والحديث ، وليس زيادة رواتب في اطار ملاحق شاملة ؟!
ان هذا الظلم يتمثل بما يلي :
1- هناك اجحافا كبيرا قد لحق بالمتقاعدين العسكريين ممن هم من رتبة مقدم فما دون ( ضباطا وافرادا ) والذين يشكلون نحو 85% تقريبا عند اقرار رواتبهم التقاعدية التي لا تتجاوز(300) دينار مما كان محل تذمر ومطالبة دائمة بالانصاف وهم من تقاعدوا في ريعان شبابهم بعد ان افنوا زهرة شبابهم وخرجوا براتب تقاعدي لا يسمن ولا يغني من جوع وهم احوج واولى بالرعاية بل وحقهم ان يحتفظوا برواتبهم كما هي مع مراعاة الزيادة السنوية والموسمية الدائمة لهم لان تقاعدهم لم يات على بلوغ السن او العجز او التقاعس او بطلب منهم بل تبعا لهيكلة الجهاز العسكري او الامني الدائمة وهم بالتالي لهم الحق كل الحق في أي هيكلة للرواتب اسوة بالعاملين وبشكل دائم .
2- جاءت الحكومة الرفاعية الراحلة لتعمق الظلم بالظلم اكثر وهي تتعامل مع المتقاعدين العسكريين بهذا النكران والاجحاف عندما اقدمت على هيكلة رواتب العاملين والمتقاعدين ما بعد حزيران 2010 وهي تعلم علم اليقين ان ما يزيد عن 85% من المتقاعدين العسكريين يتقاضون راتبا يقل عن300 دينارا لرب اسرة من اربعة افراد او يزيد لتكون النتيجة حدود الفقر المدقع..
نعم جاءت الحكومة الرفاعية هذه وهيكلت الرواتب واستثنت المتقاعدين القدامى في سابقة لم تسجل الا في تاريخ هذه الحكومة.. واصبح معه راتب المتقاعد الجديد بعد حزيران/يونيو 2010 نحو ضعف المتقاعد القديم تقريبا (ما قبل حزيران/يونيو 2010)، واصبح الحديث معه بعد توقف التاريخ الهجري والميلادي تاريخ جديد ما قبل حزيران/يونيو 2010 وما بعده، ليكون الجهر بالظلم عاليا لم تكتف الحكومة بالفقر لنا، بل اضافت الغبن والشعور بالقهر.. وهو ما اورد مضامينه ومطالباته وحيثياته ومخاطره كتاب مدير مؤسسة المتقاعدين العسكريين السابق ،والذي اغفلته الحكومة ولم تلتفت اليه .علما بان انظمة التقاعد العسكري في كافة دول العالم بما فيها العالم الثالث تنصف المتقاعدين العسكريين اسوة بنظرائهم العاملين ولا تميز بين من تقاعد بالامس او منذ زمن او من سوف يتقاعد لاحقا لانهم وكلهم في الغلاء وارتفاع المعيشة سواء يكابدونه معا دون استثناء .
3- هناك خلل مزمن في نظام التقاعد العسكري ناجم من سبب معروف ومدرك لاصحاب القرار يتمثل في الفارق الكبير الذي يصل الى نحو عشرة اضعاف ما بين الراتب التقاعدي الادنى ( 250 ) دينار الى الراتب التقاعدي الاعلى الذي يصل الى اكثر من ( 2500 ) دينار، واصبحت معه مجموع الرواتب التقاعدية لنحو 5% من المتقاعدين يعادل نحو 58% من باقي المتقاعدين المتدنية رواتبهم ،وهم جميعا الادنى والاعلى ارباب اسر متساوية الحقوق والواجبات ويعيشون نفس الظروف البئية والمعيشية والنفسية يكابدون الغلاء والاسعار والمتطلبات الكثيرة ، مما يفاقم الشعور بالحنق والتذمر الدائم الذي لا يخدم الواقع الحالي من الظروف .
4- ولان الحجة المطروحة في عدم رفع الظلم هذا هو لاسباب مادية واقتصادية تمر بها الدولة رغم ان المتقاعدين العسكريين غير مسؤولين عنها، بل ان المسؤول الاول عنها هو الفساد واوكاره الذي امعنوا في الوطن نهبا وتشليحا اوصل العجز الى حدود خيالية تجاوزت المليار والى مديونية غير مسبوقة وغير مقبولة تناسبيا مع عدد السكان والبنية التحتية القائمة منذ عشرات السنين والتي لا تحتاج الى هذا الحجم من المصروفات ..
وعليه اقترح لتجاوز هذه الازمة ورفع الظلم عن المتقاعدين العسكريين مايلي:
1- رفع الحد التقاعدي الاجمالي الادنى للرواتب الى نحو ( 500 ) دينار ، وهو حد خط الفقر الاسري الذي يمكن ان تعيش الاسرة في ظله بشكل يلبي حاجاتها الاساسية بكرامة ودون عوز، مع ايجاد الية لتوفير فرص عمل لهذه الشريحة بما تسمح له الامكانيات .
2- تخفيض الحد التقاعدي الاجمالي الاعلى للرواتب الى نحو ( 2000 ) دينار وهو حد عال جدا يوفر ظروف معيشية ممتازة لكبار المتقاعدين تحفظ المال العام وتوفر سيولة لباقي زملائهم وتنزع فتيل الاحتقان والشعور بالغبن ، ويصبح معه الفرق التقاعدي نحو اربعة اضعاف وهو فرق مقنع لا يترتب عليه شعور كبير بالظلم ، مع الاشارة الى ان ما كان يقال ان ارضاء الكبار يهدئ او يسكت الصغار لم يعد صحيحا ، بل ان الصغار ( عمرا ورتبة ) هم من يؤثر ويحرك ويتحرك اليوم، والمشهد امامنا واضح لا يحتاج الى تحليل .
3- ايجاد نظام لانشاء صندوق مالي رديف لصندوق التقاعد العسكري باسم " صندوق حماة الوطن " تكون مهمته توفير سيولة مالية منتظمة من خلال المنح والتبرعات، على ان يعتمد بشكل رئيس على اقتطاع نسب ثابتة من ارباح الشركات الكبرى التي تزيد راسمالها على مليون دينار على قاعدة ان توفير المناخ الامن للاستثمار والمستثمرين يتاتى في جزء كبير منه من خلال توفير حياة كريمة للمتقاعدين العسكريين الذين هم رديف القوات المسلحة الاردنية الباسلة والاجهزة الامنية .
4- اعادة هيكلة رواتب المتقاعدين العسكريين كافة بما يتناسب واسس العدالة والمساواة الشاملة التي توفر الظروف المعيشية الكريمة لكافة المتقاعدين ومنها الاقتراحات السالفة الذكر بما يجد نظاما تقاعديا سليما لا يحتاج الى ترقيعات واحتجاجات متوالية .
5- العمل على تخفيض الحد الاعلى للرواتب التقاعدية المدنية للعاملين في الدولة بكافة مؤسساته ولكافة الفئات بما فيها الوزراء والاعيان المتقاعدين بما لا يزيد الاجمالي عن (2000 ) دينار ،فلا يعقل ان تصل بعض الرواتب الى مبالغ خيالية غير مقبولة ، وذلك حتى يوفر السيولة ويحقق العدالة ويحفظ المال العام من الهدر والانفلات، ويرسي اساسا متينا من المساواة وعدم الشعور بالغبن ، واذكر هنا دولة ابو سليمان في احد لقاءتنا معه بانه مع هذا التوجه ..
وبخصوص الاعتصامات فلا بد من التنويه بانه كان هناك طلب والحاح من العديد من الاخوة المتقاعدين الذين اتصلوا وارسلوا من اجل دعم الاعتصام اما الديوان الملكي العامر والمشاركة فيه ، بل ان بعضهم كادت ان تنهمر دموعه وهو يتحدث عن فقره وضنك عيشه ، رغم ان المفاجأة كانت صادمة من كون البعض كان يتحدث بخطابين واحد هنا فيه التحريض على الاعتصام وآخر هناك فيه الوداعة والمسالمة ( هداهم الله ولا حول ولا قوة الا بالله ).
ان سياسات اطفاء الحرائق التي اجبرت عليها حكومة البخيت جراء النيران التي اشعلتها حكومة الرفاعي، ومنها حريق هيكلة الرواتب للعاملين والمتقاعدين الجدد والذي نتجت عنه هذه المظلمة للمتقاعدين القدامى ، انما هي سياسات غير مجدية مالم نضع لها حلولا جذرية ، وان ما اقترحته سالفا انما من اجل ان نجد حلا جذريا يوفر سيولة وينهي ازمة المتقاعدين العسكريين ..
drmjumian@gmail.com
الحكومة والمتقاعدون العسكريون ؛ مأزق وحل
أخبار البلد -