نورالدين حاروش
لم أتفاجأ عندما سمعت خطاب الملك عبد الله الثاني وأنا في الحافلة متجها من الجامعة الأردنية إلى وسط البلد، لأنني قبل هذا التاريخ، ومنذ مجيئي إلى الأردن بداية السنة الجامعية الحالية، في إطار عطلة علمية، تيقنت من مدى إعجاب الأردنيين بملكهم ومدى تقديريهم واحترامهم له، خاصة بعد مناقشتي اطروحة لدرجة الدكتوراه للزميل حسن نهار محاسنه في رسالته حول دور الصحافة الاردنية في التنمية السياسية وجاء هذا الخطاب يدعم أقوالي التي هي بعيدة كل البعد عن العاطفة، بل نابعة من قراءة موضوعية لمحتوى الخطاب الراقي الذي ألقاء خلال الجلسة الافتتاحية لأعمال مؤتمر لندن للمانحين» دعم سوريا والمنطقة». ومن خلال قراءة سريعة لمحتوى الخطاب نستشف قدرة الملك العلمية بل الفلسفية « الواقعية وليست المثالية» دقة تشخيص الوضع الراهن داخليا وإقليميا ودوليا، وكيف كان طرح الملك قويا جدا بل مبدعا خاصة عندما ينتقد الأساليب التقليدية في معالجة الأزمات بأنها لم تعد تجدي نفعا، ثم يأتي استشراف الملك لحلول غير تقليدية لتجاوز الأزمات والتحديات التي تواجه العالم وليس دولة بعينها.
إن محاور خطاب الملك تصلح لان تدرس ويبحث فيها لتقدم كرسائل جامعية، بل بالإمكان فعلا أن تقترح لطلاب الدراسات العليا وتسجل كمشاريع دكتوراه وماجستير، ولكن هلا تصفحنا العناوين الكبيرة التي تضمنها الخطاب؟
لقد تحدث الملك بأنه يمثل الأردنيين، وأمنهم من أمنه، ورفاهيتهم من رفاهيته وهذه هي أولويات الملك وهي الرقم الأول في أجندته، فما عسى الأردنيين أن يفعلوا إلا مساندة الملك ودعمه في خياراته الإستراتيجية والصبر معه في حالة الأزمات والعمل معا لإيجاد الحلول الممكنة، إن الأحداث التي عرفتها المنطقة العربية في العقدين الأخيرين أثقلت كاهل المنطقة العربية برمتها، ولكن الحمل الأثقل كان على عاتق الأردن، ونحن في الجزائر نقول إذا رأيت اثنين يسيران جنبا لجنب فتيقن أن الحمل كله على أحدهما؟ وهو حال الأردن التي تخصص أحسن الضيافة وحسن الجوار لكل الأشقاء العرب ناهيك عن المساعدة حتى ولو كانت في أمس الحاجة إليها.
عندما يوجه الملك خطابه للعالم عامة، والدول المانحة على وجه الخصوص، بضرورة الدعم، هذا لا يعني بأن البلد فقير ، بل الواقع يثبت عكس ذلك تماما، كما أن العالم كله يعلم أن الأردن صمام الأمان ودولة معترف لها بمساهمتها الفعلية والفعالة في حفظ السلم والأمن العالميين.
إن دقة تشخيص الملك للوضع الراهن محليا وإقليميا ودوليا، ابرزت المطبات والهفوات التي وقعت فيها القوى العظمى في معالجة الأزمات المتكررة وان علاجها بنفس الأساليب القديمة أثبتت فشلها وعدم فعاليتها، وعلميا يعتبر التشخيص الدقيق نصف العلاج، ومنه ينتقل الملك في هذا الخطاب لاقتراح حلول جديدة مبدعة لوضع حد لهذه المشاكل والأزمات، ويمكن أن نستدل على قوة هذا الطرح من خلال الانتقال من تلقي المساعدات للاجئين ممثلة في الغذاء واللباس وغيرها إلى تبني البعد التنموي في المساعدات، وذلك بالتركيز على الاستثمارات التي تخلق مناصب شغل، هذه الأخيرة تخلق بدورها نموا اقتصاديا الذي بدوره يساعد في زيادة الانتاج والاستهلاك وبالتالي خلق الثروة التي يمكن للفائض منها الاستثمار... وهكذا نوسع فرص النمو الفردي والجماعي والتحول إلى التنمية المستدامة... هذه الحلول من شأنها تخليص المنطقة من أزماتها وأنها مشجعة بالنسبة للدول المانحة وغير المانحة للالتفاف حولها ودعمها وبالتالي الخروج بمواقف سياسية مشتركة تعمل معا لدعم استقرار المنطقة.. حينها تبقى حلول الملك علامة مسجلة؟
* كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية
جامعة الجزائر3