هل تجيد التأرجح يا رئيس الوزراء...
ربما يكون العتب على السمع أو النظر وربما لقصر الفهم منا لما تقوم به من أجل الإصلاح، لكن الحقيقة التي نصبح عليها هي نفسها الحقيقة المطلقة لواقع الحال منذ سنوات، فحال الأمور لم يتغير كثير، لكننا بكل صراحة نؤكد أن الحكومة الحالية أضفت فارقًا من خلال زيادة جرعة المسكنات التي تمنحها لنا والتي تتمثل بالمزيد من الوعود البراقة، ونحن هنا لسنا بصدد ذكرها فهي كثيرة بين الرواتب والهيكلة وبين ما يعرف بالخلجنة...، لكن الحقيقة أن قطار الإصلاح لم ينطلق بعد، وشواهد معوقات عدم انطلاقه كثيرة، والذنب ليس ذنب الحكومة أو لتقاعسها عن القيام بالواجبات الموكلة إليها والتي على رأس أولوياتها الإصلاح، بل تكمن أبسط تلك المعوقات في فوضى طرح الجميع ورؤيته لمفهوم الإصلاح، فلو طفت الأردن دارًا دار وكما يقول رئيس ليبيا "زنقة زنقة" لن تجد اثنان يتفقون على مفهوم هذا الإصلاح، ستجد كمًا من التهم على رأسها كلمة الفساد، وسيقال لك الفساد مستشري هنا وهناك في كل مكان، ولو طلبت دلائل سيقال لك مجرد ظواهر بلا قرائن، ستجدها مليئة بنزعات الحسد والتباغض والعداوة ستجدها مكائد وستجدها في بعض الحالات حقائق، ستجد أن فوضى الفساد تستشري بنفوسنا قبل مؤسساتنا، ستجد من كلمة الفساد شماعة وستجدها مطاطة تستوعب الكثير وتطرح الكثير لكنها لن تكون واضحة ستكون ضبابية في أغلب حالاتها، ستجدها تخضع للمجاملة وللخوف وللرغبة بمصلحة وستجدها تحتكم للمزايدة وفي كثير من الأحيان ستخضع لعرف السلطة والقوة، وفي ظل ما يحيط كلمة الفساد من تزاحم للكلمات ستكون القيادة نحو الإصلاح صعبة ومهلكة وإن سار قطار الإصلاح بسرعة فكل من فيه هالك لأن الطريق غير واضحة، لذلك لتكون دعوة الإصلاح التي ننادي بها غير قاصرة على إصلاح مؤسسة أو نظام أو محاربة فساد، لماذا لا تكون ثقافة الإتقان والإخلاص، لماذا نطرح كلمة الإصلاح للأخر ونتجاهل حاجتنا له، بكل صراحة 24 أذار لم تكن طريقًا للإصلاح وكذلك 15 نيسان وكذلك أحداث الزرقاء، وهنا لا أقصد طرف المطالب بل يتجاوزه الوصف ليشمل في الطرف الأخر المعارض لهذه الحركات ومن جابهها، فكلا الطرفين احتكم لمنطق الفرض والإجبار ومنطق الاستعراض، ولم يحتكم أيًا منهم لطرح واضح، فمن طالب بكلمة الإصلاح لم يستطع توضيح مطلبه، ومن عارضه لم يبرر منطق معارضته له، إن ما يجري في ظاهره أن الأردن يعيش حالة استقرار وسيطرة تفوق نظيراته من الدول التي طرح فيها منطق الإصلاح، لكن المتأمل يجد أن حقائق الأحداث تقود لنهاية واحدة وهي فوضى الطرح وفوضى الرفض وهذا هو الخطر الذي لا يراه الكثيرون ممن يعتقدون أن غمامة ما جرى من أحداث في الدول الأخرى مرة بسلام، فالحذر الحذر واجب من كلا الطرفين في طرحهما وفي تعاملهما، فالحكومة مطالبة بتقديم طرح يغلق كل أبواب التشكيك، والمطالب بكلمة الإصلاح مطالب بالدقة والتوضيح لهيئة ما يريد تحقيقه ولما ينتقده، وفي حال ضياع الحقيقة المطلقة لما يريده المواطن الأردني فإن موازين الاستقرار ستبقى أرجوحة تتلاعب بها المزاجية والعواطف والنزعات وهذه الكلمات كلها عوامل مؤهلة لكي تسقطنا في أي لحظة ودون سابق إنذار، ونظرًا لكون المطالب بكلمة الإصلاح ليس جهة متنفذة فإن الحكومة وحدها في النهاية مطالبة بإيقاف هذا التأرجح، وإن كان رئيس الوزراء قادر على أن يتأرجح لأشهر حتى تنتهي حكومته باستقالة كسابقاتها من الحكومات التي سارعت التأرجح فهذا أمر رائع وانجاز بالنسبة له، فالاستقالة ليست كالسقوط، لكن ما يخيف أن الحكومات بهذه السياسات المراوغة وغير الفاعلة في مواجهة ما يعتري وطنها من تحديات تتنحى جانبًا في أي لحظة عن التأرجح وبكل هيبة وكبرياء وتبقي وطننا وشعبًا بأكمله يتأرجح على فوضى عجزها في التعامل اللحظي بمتطلبات ومستجدات كانت مفروضة عليها.
في النهاية إن كان رئيس الوزراء يتأرجح ببراعة وكذلك المطالب بكلمة الإصلاح المطاطة فإن الوطن سيبقى متأرجحًا بين وبين إلى أن يسقط كل المتأرجحين في لعبة يدفع ثمنها وطن.
مالك خلف البزيرات القرالة