ما بين ثنايا الحالة الجدلية التي عايشناها خلال الأيام الفائتة بشأن عمليات الرصد الجوي ما يصلح لان يكون مادة للتندر، وفي الوقت نفسه ما يكشف عن حالة الفوضى التي تسود هذا القطاع المهم، والذي اتسعت دائرته بشكل لافت.
فقد دخلت اطراف عديدة على خط التنبؤات الجوية بصورة شخصية ودون ادنى مؤهلات علمية او فنية، وتمكنت من توظيف وسائل التواصل الاجتماعي في خدمة غرضها، الامر الذي زاد من تعقيدات المشهد، واربك المتابعين لقراءات الحالة الجوية.
واصبحنا ـ كمتابعين ـ نقرأ تنبؤات لاشخاص لا علاقة لهم بعالم الطقس، والى الدرجة التي باتت تقترب من قراءة الحظ ، حيث نشرت مواقع تواصل اجتماعي قبل عدة أسابيع قراءة لحالة الطقس طيلة فصل الشتاء، حدد احد الأشخاص من خلالها مواعيد لحدوث منخفضات جوية، ولهطول مطري وثلجي لفصل الشتاء كاملا، مع ان علم الأرصاد يشير الى ان التنبؤات لا يمكن ان تكون قريبة من الدقة في مثل تلك الحالات، وان المتنبئ يستطيع ان يقرأ الحالة لعدة أيام مقبلة وليس لعدة اشهر.
ومن العناوين اللافتة في هذا المجال ما تشير اليه بعض المواقع من قراءة يخلص صاحبها الى حالة جوية « لم تشهد المنطقة مثيلا لها منذ ثمانين عاما «... ليتبين لاحقا ان شيئا من هذا لم يحدث.
بالطبع وجود مثل هؤلاء الأشخاص، ومثل تلك القراءات، لا ينفي وجود شخص او مؤسسة نشأت بجهود متواضعه، وكونت لنفسها سمعة، وطورت لها خبرة واكتسبت بالتالي سمعة جعلتها تنافس مؤسسات عالمية متخصصة، واستقطبت شركات ومؤسسات عالمية للتعاقد معها من بينها شركات طيران محترمة، وأصدرت وما زالت قراءات دقيقة نكاد نجمع على اعتبارها الأكثر صدقا، وتحولت خلال فترة وجيزة الى مرجع لكافة المتابعين، عزز ذلك ضعف المرجعية الرسمية للارصاد، وعجزها عن تقديم قراءات اكثر دقة لفترات أطول.
اللافت هنا هو كيفية تعامل دائرة الأرصاد الجوية مع المشهد بصورته العامة، فالدائرة ما تزال تتمسك بانها هي المؤسسة الشرعية المعنية بالرصد الجوي، لكنها، وبدلا من ان تطور من اسلوبها، وتنجح في تقديم منتج جيد،ومعلومات صحيحة وسليمة، تقنع الجميع باعتمادها، تحاول التغطية على فشل الكثير من قراءاتها بالتمسك برسميتها وشرعيتها القانونية، والترويج بضعف الإمكانات لدى الطرف الآخر.
ولعل في ما حدث من تطورات الأيام القليلة الفائتة ما يعزز القناعة بضعف الخطاب الرسمي لدائرة الأرصاد الجوية، ذلك ان المتابع يهمه صدق التنبؤات اكثر من الأجهزة التي يمتلكها هذا الطرف او ذاك.
فما فائدة الجهاز المتطور اذا كانت القراءة التي احصل عليها خاطئة؟ وما الذي يهمني ان كان موقع الرصد الخاص لا يمتلك اية أجهزة ما دام يزودني بالقراءات الدقيقة لحالة الطقس؟
هنا لا القي باللوم على دائرة الأرصاد الجوية فقط، فمع انني أرى ضرورة ان تطور خطابها، بالتوازي مع تطوير أجهزتها وخبراتها وكفاءاتها، فإنني أرى انه حان الوقت لتنظيم هذا القطاع. فمن حيث المبدأ لا يجوز لمن هب ودب ان يسمي نفسه راصدا جويا، ويقدم نشرات جوية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وانما يجب ان تكون هناك أسس محددة تعتمد لترخيص مؤسسات الرصد الجوي.
ومن جهة أخرى اعتقد ان فتح الباب امام القطاع الخاص للدخول الرسمي يمكن ان ينتج متنبئين جويين اكثر كفاءة، ولكن باسلوب منظم بعيدا عن حالة الفوضى والارباك التي عشناها والتي ما زلنا نعيشها.