أخبار البلد -
من دولة فقيرة زراعية، ذات بطالة عالية، واقتصاد متهالك، وأعراق متعددة، وتركة من الاحتلال البريطاني الى دولة مستقلة بقرارها الداخلي والخارجي، غنية، مقصد للاستثمار وتنمية المال، ارتفع فيها متوسط دخل المواطن من 3.5 دولارا إلى 12 ألف دولار خلال أقل من 15 عاما.
بهذه المقدمة استعرض رئيس الوزراء الماليزي السابق الدكتور مهاتير محمد التجربة الماليزية في نقل البلاد من مرحلة الدولة الفقيرة المتلقية للمساعدات، الى الدولة الناهضة اقتصاديا، المحققة لنسب عالية جدا في معدلات النمو الاقتصادي.
تمكن الدكتور مهاتير محمد بمساعدة الشعب والمسؤولين الماليزيين الحريصين على خدمة مصالح شعبهم من خفض أعداد المواطنين ممن هم تحت خط الفقر من نسبة 52% إلى ما نسبته 5% فقط، مع ارتفاع متوسط دخل المواطن من 3500 دولار أمريكي إلى 12 ألف دولار.
الدكتور مهاتير محمد أشار في محاضرة نظمتها مؤسسة عبد الحميد شومان مساء الخميس بحضور الامير الحسن بن طلال في المركز الثقافي الملكي بعنوان «نهضة أمة.. التجربة الماليزية دروس مستفادة» الى أن هناك تشابها ما بين ماليزيا والاردن في التنوع الاجتماعي للسكان.
وأوضح ان الاردن يتمتع بميزات عديدة وتقدم علمي، لافتا الى ان هناك حوالي ثلاثة الاف طالب ماليزي يدرسون في الاردن التخصصات الطبية والهندسية والعربية والاسلامية، مؤكدا ضرورة حصول الطلبة على مختلف انواع العلوم والمعرفة، لأنها مفاتيح التقدم والرقي.
وقدم للاردن جملة من المقترحات لتحقيق نهضة أردنية، تقوم على فتح البلاد للاستثمار الأجنبي شريطة أن ينعكس على تخفيض نسب البطالة في الأردن، والاستثمار في مختلف المجالات، خاصة الطاقة الشمسية، التي يوجد الكثير منها في الأردن.
وبين ان ماليزيا استطاعت تحقيق درجة من الاستقرار السياسي منذ استقلالها في عام 1957م باستثناء أحداث العنف العرقية التي أعقبت الانتخابات العامة في عام 1969، مؤكدا ان العملية السياسية في ماليزيا تسير بشكل منتظم، حيث قرر الماليزيون ايجاد تحالف يجمع مختلف الاحزاب السياسية وعددها 14 حزبا، ولكل حزب دور في نمو الدولة وتمتعها بالاستقرار والتطور.
الأمير الحسن.. أخي الكبير
الأمير الحسن بن طلال حرص على حضور محاضرة الدكتور مهاتير محمد، وخاطب في مداخلة له قبل نهاية المحاضرة الدكتور مهاتير قائلا: "اسمح لي ان اناديك بأخي الكبير".
ودعا الامير الحسن الى نسج خيوط التواصل مع ماليزيا ودول الشرق، مؤكدا ضرورة النظر للنهضة الاقتصادية والعلمية والمعرفية في ماليزيا ونقل ما يصلح منها للأردن.
وختم الامير الحسن مداخلته بالقول: "أنا مسلم لكل المسلمين، لست مسلما سنيا أو مسلما شيعيا"، مؤكدا ان الامة الاسلامية ستشهد نهضة كبيرة قريبا.
الأزمة المالية العالمية
وحول تعامل ماليزيا مع الأزمة المالية العالمية قبل أعوام وعدم تأثرهم بها، قال الدكتور مهاتير ان "هناك مؤامرة كانت تحاك ضد ماليزيا واقتصادها المتقدم والناهض بسرعة، لكننا انتبهنا لهذه المؤامرة التي صنعها الغرب، وتمكنا من التعامل معها بأقل الخسائر".
وأضاف أن تجاوز ماليزيا للأزمة المالية العالمي تمثل في ضبط بيع العملة بقوانين مصرفية صارمة، لافتا ان العملة كانت تباع بكميات هائلة، بما انعكس سلبا على قوتها التي تراجعت بشكل كبير.
وبين ان المؤامرة كانت تقوم على ان انهيار العملة الماليزية لفترة محدودة بشكل يخفض قيمة المصانع الماليزية، مما سيدفع بأصحابها إلى بيعها لرأس المال الغربي بقيمة أقل، وذلك هربا من الإفلاس.
وأشار الى ان ماليزيا رفضت خلال الأزمة مجموعة الحلول التي قدمها صندوق النقد الدولي، مؤكدا ان قرار الدولة الماليزية تمثل برفض الخطط والحلول المقدمة من صندوق النقد الدولي "لأن ما نصحونا به كان سيفقرنا بدلا من أن ينعشنا".
ووجه الدكتور مهاتير جملة من الانتقادات للغرب، مؤكدا ان المفهوم الغربي للعولمة حددها بالانتقال الحر للأموال دون الأفراد بما ينعكس إيجابيا عليهم، لافتا الى انه اقترح عليهم خلال لقاءاته في أميركا وأوروبا أن تشمل العولمة حرية انتقال ملايين الفقراء من الشمال الفقير إلى الجنوب الغني لكنهم رفضوا مؤكدين أنهم يريدون انتقال المال فقط.
واشار الى انه قام بوضع خطة (عشرين عشرين) التي تهدف لجعل ماليزيا من القوى الاقتصادية الأولى في آسيا والتي كانت موضحة بكل شفافية، واصبحت ماليزيا تصدر ما كانت تستورده في السابق، بعدما نهضت من الناحية الصناعية بشكل كبير حتى أنها أصبحت تقوم بالتصنيع.
الإسلام والنهضة
وحول اذا ما كان هناك تعارض بين الاسلام والنهضة والتقدم، قال الدكتور مهاتير "نحن نقول إننا مسلمون، ولكننا لا نتبع تعاليم الإسلام، فالإسلام يقول إن المسلمين أخوة، لكننا نقتل بعضنا بعضا".
واضاف ان الإسلام الذي بدأ بكلمة "اقرأ" ينحاز للعلم والمعرفة، فالعلوم الشرعية مهمة والعلوم الحديثة ايضا مهمة للغاية، ففي زمن الرسول لم يكن هناك أي كتب ليقرأها، ولم يكن الرسول يقرأ، مما يؤشر الى ان القراءة هي المعرفة والعلوم الحديثة.
واوضح اننا إذا نظرنا إلى زمن الرسول والحروب التي خاضها، ندرك أن ما قام به كان مناسبا لتلك الفترة، الآن نحن بحاجة إلى دبابات وطائرات ووسائل حرب ولن نحصل عليها إلا باكتساب العلم، إذا كان لديك معرفة بالعلوم الحديثة تستطيع أن تدافع عن الأمة.
القضاء على البطالة
وبالنسبة للخطط التي بدأ بها نهضة بلاده، اشار الدكتور مهاتير الى ان ماليزيا كانت دولة زراعية، ونسبة البطالة تجاوزت 60% ولا حلول لهذه المشكلة، وكان الحل الذي اختطه الرؤساء الأوائل (بالنظام الفدرالي لتوزيع الأراضي) حيث تم توزيع 200 مليون هكتار على المواطنين للاستفادة منها.
وبين اننا توجهنا نحو خلق فرص عمل للعاملين، حيث بدأنا بفكرة توزيع الاراضي الزراعية على المزارعين، وقمنا بإنشاء هيئات وجمعيات لكل مجموعة لتنمية الاراضي واحيائها، وإنشاء نظام فيدرالي لتطوير الاراضي التي كانت مملوكة للإقطاعيين وكانت هذه احدى الوسائل لحل مشكلة البطالة.
وأضاف ان الطفرة الحقيقية في ماليزيا حدثت عندما استنسخت ماليزيا تجربة اليابان في الصناعة، لافتا الى ان مراقبة التقدم والنمو في الدول المتقدمة كاليابان، ساعد ماليزيا في خطتها التنموية والصناعية، وجذب الاستثمار نحوها وتوفير فرص العمل، ما أدى إلى انخراط الشعب الماليزي في هذه الأعمال.
وبين ان ماليزيا عمدت الى خصخصة بعض القطاعات الخدمية، مؤكدا أن القطاع الخاص أكثر قدرة على النهوض الاقتصادي من القطاع العام.
واشار الى ان ماليزيا لم تكن قادرة على بناء المشاريع، فقررت دعوة الأجانب لعمل مشاريع صناعية من خلال تحفيزهم بإعفاءات ضريبية مؤقتة، شريطة تشغيل الماليزيين في المشاريع وهو ما حقق هدفين، الأول القضاء على البطالة نهائيا، والثاني إكساب الشعب مهارات صناعية لم يكن يعلمها.
وأكد انه عندما تحل مشكلة البطالة فإنك ستحقق الاستقرار السياسي، الذي يمكنك من تحقيق التنمية الاقتصادية، لافتا إلى أن الأموال التي حصلتها بلاده أنفقتها بشكل رئيس على التعليم والتوسع في ابتعاث الطلاب للدراسة في الخارج، واكتساب المعرفة الحديثة، إضافة إلى تطوير مهارات العاملين في القطاع العام لتعزيز قيم العمل الجاد والأمانة والصدق لديهم.