أخبار البلد-
سؤال غريب ومفاجئ، لكن هذا أوَّل ما خطر لي حين لاحقتني مشكلة الروتين والبيروقراطية، حتى عن بُعد.
أنجزت في القنصلية الأردنية في دبي وكالة خاصة لزوجتي، لتجديد بطاقة "الصراف الآلي” للبنك في عمّان، وأرسلتها لها مصدَّقة وموقعة كما يجب من سعادة القنصل وموظفيه ومستوفية الرسوم، والحقَّ أن نائب القنصل في دبي رجل دمث ومبتسم، وقد أربكني بلطفه !
قال البنك لزوجتي أن "الوكالة” تستدعي التصديق من الخارجية الأردنية، وهو أمر صادم، حيث المنطق أن "الخارجية” تثق بأختام وتواقيع قنصليتها وموظفيها، وتدافع عنها، المهّم صدَّقنا الورقة من "الخارجية” !
قال البنك : "الوكالة” تحتاج تصديق وزارة العدل !
راحت زوجتي لوزارة العدل وصدَّقت الورقة.
قال البنك: الوكالة تحتاج لتصديق كاتب العدل الذي يداوم في وزارة الخارجية !
راحت زوجتي ثانية لوزارة الخارجية وصدَّقت الورقة من كاتب العدل.
قال البنك: نتصل بك بعد يومين !
وحين لم يتصلوا اتصلت زوجتي بعد يومين فقالوا لها توقيع زوجك على الوكالة غير مطابق لتوقيعه في البنك حين فتح الحساب قبل حوالي 12 سنة، راجعي فرع الجامعة !
راحت زوجتي لفرع الجامعة، فإذا بالموظفة تتصل بي في دبي، وتعاتبني بشدة لأنني لم أحدّث معلوماتي في البنك منذ سنوات، وحاولت اختباري بسؤالي عن رقم موبايلي الأردني قبل 12 سنة !
المهم أقسمت لها أن التي أمامها زوجتي، فسألتني بضعة اسئلة للتأكد من أنني أنا أنا!
ثم وعدت "بتمشية الأمور” بشرط أن أراجع البنك في أول زيارة للأردن !
بصراحة لم أستوعب أن البنك تجاهل كل تصديقات وتواقيع وأختام "القنصلية” و”الخارجية” و”العدل” و”كاتب العدل”، وأراد الاحتكام لتوقيع حضرتي !
فإذا كانت ثقة البنك مفرطة الى هذا الحد في "توقيعي” الكريم فلماذا طلب كل تلك الأختام والتواقيع ؟ كان يمكنني أن أرسل لهم ورقة على الفاكس بتوقيعي وانتهى الأمر ؟
وإذا كان لا يثق بالوزارتين وبالقنصلية فكيف يثق برجل فقير الحال مثلي ؟!
أمّا اذا كان العكس صحيحاً، والبنك على ثقة بهذه الأجهزة الحسّاسة والمسؤولة فلماذا يتوقف عند توقيعي ؟!
ثمَّ إن البنك يعرف، وكل البنوك تعرف، أن المواطن العادي حين يفتح حساباً في البنك لغايات تحويل الراتب، يضع أي "خربوشة” سريعة في خانة "التوقيع”، ودون أن يكترث كثيراً، فهو لا ينتظر تحويلات ضخمة ولا صفقات كبرى، وغير معنّي بأن يكون له توقيع ثابت من أصله، يتذكره بعد 15 سنة !
ثم إن موظف البنك لو راجع بضغطة سريعة على كمبيوتره "حركة الحساب” لاكتشف أن أكبر مبلغ دخل حسابي أقل من كلفة اصدار وتصديق "الوكالة” !
فضلاً عن أن "وزارة العدل” أخذت الوكالة "الأصل” وباعت زوجتي صورة عنها !
المهمّ .. قد لا يستدعي الأمر كل هذا الحديث الطويل، وأعرف ان السادة موظفي "العدل” و”الخارجية” و”البنك” سيقولون على لسان رجل واحد: "القانون هو القانون” .. ثم سيشيرون لي أن أبتعد ليتقدم الشخص الواقف خلفي !
وهو طموح هائل، يراود كل الأردنيين، أن نصل إلى مسطرة "دولة القانون”، ولكن القانون ينص على اعتراف "وزارة الخارجية” بسفاراتها التي تنفق عليها الملايين كل عام، وتختار لها أفخر الأحياء، وأوسم السفراء والقناصل، ويفترض أن أي ورقة صادرة عن السفارة وموقعة بمقتضى الأصول فكأنما صادرة عن الخارجية ذاتها، بل أكثر من ذلك فالسفارة تمثل الحكومة والدولة، وليس مجرد "الخارجية”، فهي ـ للمغترب ـ تنوب عن كل الوزارات وتقوم بدورها وتحل محلَّها !
ويمكن أن أفهم جزافاً، ووفق بيروقراطيتنا العتيدة، أن تحتاج مصادقة وزارة الصحة أو التربية على ورقة صادرة من سفارة، لكن أن تحتاج مصادقة "الخارجية” نفسها ، فهذا سحبٌ للثقة من القنصلية واستهانة بها.
المهم أن الأمر تكلَّف من الوقت والجهد والنفقات ما كان يمكنني به أن "أخطف رجلي” على عمان وأجدد بطاقة الصراف في ساعة واحدة !