أخبار البلد - في سياق الحراك الوطني المطالب بالاصلاح ، تبرز مفارقات في مشهد التعبير عن المطالب الاصلاحية من قبل قوى ونخب سياسية وحزبية لعل ابرزها ،الاستعجال بانجاز المطالب الاصلاحية بحيث تبدو هذه القوى غير صبورة لحين انتهاء لجنة الحوار الوطني من عملها واعلان مخرجاته بالشكل الواضح وفق المدة الزمنية المحددة مسبقا لذلك .
ومن المفارقات ايضا تلك الحالة التي تسعى تلك القوى لفرضها على المشهد السياسي الراهن برفع سقف مطالبها الاصلاحية من مسيرة الى اخرى او ان شئت من جمعة الى اخرى دون ان تنتظر ان يتحقق مطلبها في هذه المسيرة مثلا ،ليرتفع بسرعة الصاروخ الى مطلب جديد في المسيرة التي تليها وهكذا تبدو الصورة خالية من الحكمة والحنكة المعلنة واقرب الى المزايدة والمناكفة.. أو خلق نوع من البلبلة وتضليل الرأي العام .
ان حالة السجال السياسي التي تشهدها البلاد هذا الاوان مقبولة اذا كانت ضمن الاطار الوطني ،وهي هنا مصلحة وطنية وضرورة لابد منها لاثراء الحوار الوطني بشان الاصلاح والتغيير ، اما اذا كانت اهدافها غير متسقة مع المصلحة الوطنية كما يفهم من بعض «فرسان الفضائيات» والكتاب فانها تغدو الفتنة بعينها ويجب وادها لانها تعكس اجندات تتعارض مع اجندات الوطن ولا يمكن باي حال من الاحوال البقاء اسرى لوجهة نظر بعض هؤلاء ممن يستغلون الاحداث المؤسفة التي جرت على دوار الداخلية والنفخ فيها صباحا مساء وكان مسيرة الاصلاح توقفت عند هذه النقطة رغم ادانة جلالة الملك لما جرى ،ومطالبته بالمضي قدما في مسيرة الاصلاح ،وعدم الوقوع اسرى لما حدث.
ان ما جرى على دوار الداخلية امر مرفوض ومدان واصبح اليوم وراء الظهر ومسيرة الاصلاح انطلقت على السكة الصحيحة والمطلوب اليوم تعزيز تماسك الجبهة الداخلية وحماية وحدتنا الوطنية من دعاة الفرقة والتشرذم الذين خرجوا علينا على شاشات فضائيات يذرفون دموع التماسيح على الوحدة الوطنية بدوافع لم تكن بريئة باي حال من الاحوال، ذلك ان خلاف النخب في توجهاتها ورؤيتها بشان الاصلاح لا يهدد الوحدة الوطنية المقدسة والتعبير عن الراي بشان الاصلاح من قبل هذه المجموعة او تلك الفئة يبقى حق دستوري لكل الاردنيين وان اختلف الاسلوب بينهما وبالتالي فان المطالبة بتحقيق الاصلاح، ليست محصورة بنخبة من الاحزاب والقوى السياسية، بل هي حق وواجب كل ابناء الوطن.
ان سعي اطراف حزبية واعلامية لتصوير الواقع الراهن بما هو عكس الحقيقية ، انما يعكس محاولات خبيثة لزرع الفتنة بين ابناء الوطن الواحد الذين اختلفوا في وسائل التعبير عن مواقفهم واتجاهاتهم نحو تعزيز رفعة الوطن وتقدمة، وهي محاولات مكوفة لن تنطلي على الاردنيين جميعا وهي لن تنال من هذا الوطن الذي ظل على الدوام الصخرة التي تتحطم عليها مؤمرات ودسائس الحاقدين والعابثين وبالتالي لن تستطيع تحقيق مآربها الشيطانية .
ان التعبئة الخاطئة والتجييش الذي يمارس من قبل تلك الاطراف بداعي الحرص على الوطن انما يخضع لحسابات الريبة والشك لانة ببساطة يمس في جوهرة الوحدة الوطنية والاستقرار خصوصا وان ما جرى من احداث مؤسفة هي في واقع الحال تم تجاوزها بالعمل والجد والاجتهاد من قبل لجنة الحوار الوطني و ايضا الحكومة والقوى السياسية المؤمنة بالحوار كسبيل وحيد لانجاز المطالب الاصلاحية.
ان الحوار الوطني حول الاصلاح جاء مسيجا بارادة ملكية سامية تعكس قناعة جلالة الملك بالاصلاح باعتباره اولوية وضرورة وطنية مثلما جاء استجابة لرغبة وطنية بالتغيير والتحديث والتطوير وبالتالي فان الارادة الملكية، تدفعنا جميعا، نحو المضي بثبات قدما، لترجمتها وتحقيق التطلعات نحو الاصلاح الشامل لمواصلة مسيرة البناء والتقدم الوطني، نحو المستقبل ضمن الرؤية الملكية الاصلاحية التحديثية.
ان مسيرة الإصلاح تحتاج إلى إجراءات سريعة ، والحكومة هنا تبذل جهدا كبيرا خلال الشهرين الاولين من عمرها فقد عملت على تنفيذ توجيهات جلالة الملك بمكافحة الفساد باحالة قضايا الى هيئة مكافحة الفساد للتحقيق فيها، وكذلك ولضمان تحقيق أعلى درجات الشفافية والنزاهة والمهنية والعدالة في القضايا التي تحال إلى هيئة مكافحة الفساد ، جرى تشكيل لجنة استشارية عليا للتدقيق بمكافحة الفساد مهمتها القيام بتدقيق ومراجعة كافة الملفات والقضايا المحالة إليها والتي تثار حولها الادعاءات بوقوع فساد أو شبهة فساد ، لإبداء رأي استشاري حول وجود أدلة أو شكوك موضوعية ، أو دلالات أولية تبرر متابعتها قضائياً للتأكد من الوقائع وتحديد المسؤوليات واتخاذ الإجراءات التي تنص عليها القوانين.
ولان الاصلاح ليس انيا ولا يمكن ان يكون ضمن سياسة الاحتواء فقد عملت الحكومة على مراجعة التشريعات ذات الصلة بالاصلاح السياسي وعملية البناء الديمقراطي والحياة السياسية والمشاركة الشعبية، فانجزت تعديلات هامة على قانون الاجتماعات العامة ليكون قانون حريات لا عقوبات وقانون البلديات ومشروع اللامركزية، لتوفير شروط العمل والمشاركة السياسية والشعبية والنهوض بمستوى التمثيل للتوجهات والبرامج والمصالح وقضايا الوطن.
اما قانونا الانتخاب والاحزاب فانهما في عهدة لجنة الحوار الوطني التي تبذل جهدا مقدرا في قيادة عملية الحوار السياسي الذي يعزز مسيرة الإنجاز والاستقرار والبناء على المكتسبات الوطنية،واللجنة تواصل عملها بكل جد واجتهاد لانجاز قانون انتخاب ديمقراطي، يقود إلى إفراز مجلس نيابي يمثل كل الأردنيين، وقانون للاحزاب يثري التعددية السياسية والحزبية القائمة، ويكرسها نهجا راسخا، يمكن القوى السياسية الفاعلة كافة من المشاركة في العملية الديمقراطية وصناعة القرار، عبر أحزاب ذات برامج تعبّر عن طموحات المواطنين وتستجيب لمتطلباتهم.
وجاءت نقابة المعلمين في سياق تفعيل مسيرة التحول الديمقراطي وتعزيز إطلاق حريات التنظيم والمشاركة الشعبية ..وتاكيدا على التمسك بالنهج الديمقراطي في الفكر والممارسة السياسية، بعيداً عن النهج الشمولي أو الإقصائي. ان التشويش على اداء الحكومة في ملف الاصلاح وتوجيه النقد لجهة وجود بطء في خطواتها هو بدون شك نقد غير موضوعي واقرب الى ذر الرماد في العيون ومحاولة للقفز عن الحقائق المنطقية وتجاوز لما تحقق في شهرين وكان الاصلاح او محاربة الفساد يتم بين ليلة وضحاها،متناسين عن سبق اصرار ان رحلة الالف ميل تبدأ بخطوة ولعل ما تم خلال شهرين لا يمكن ان يكون خطوة او خطوتين بل هو قفزة حقيقية والعبرة كما يقال بالنتائج. ان محاولات بعض القوى والنخب السياسية والحزبية و»فرسان الفضائيات « تحويل الاحداث المؤسفة التي جرت على داور الداخلية الى شماعة تعيق الاصلاح ، ستبقى يائسة ولن تجد اذانا وطنية تصغي لها ، ذلك ان الاردنيين جميعا ادانوا ما حصل وينظرون بامال كبيرة نحو المستقبل المشرق ولذلك فان المرحلة الراهنة تقتضي اصطفافاً وطنياً، تتكاتف فيه كل الجهود والطاقات، خدمة للوطن وحفاظاً على مكتسباته وانجازاته الديمقراطية وترجمة للرؤية الملكية بتقدم المسيرة الوطنية، والنهوض بآمال الشعب الاردني في الإصلاح والتحديث.