"وطن على وتر" اسم تم اختياره بعناية، وطن مشدود على وتر، يحمل حساسية عالية تستجيب لأقل فعل، والوتر يصدر أنغاما حسب اصابع العازف وارتجالاته، وفلسطين فيها التنوع الذي بعضه يساهم بإثراء مجمل المشهد العام، وبعضه يكون نشازا، وخارج النص، والمتابع لما قدمته فرقة "وطن على وتر" ، عماد فراجين، ومنال عوض، وخالد المصو، وتحديدا الجانب السياسي، فإن الفرقة كانت تمتلك حرية قرارها، ومرونة حركتها، وبمهنية ومسؤولية عالية، فتناولت الواقع الفلسطيني من اقصى اليمين الى اقصى اليسار بجرأة وواقعية.
لأول مرة تظهر الفرقة في عمان، من خلال الافطار الذي اقامه فندق الاردن – انتركونتننتال، وبعد الاستقبال الدافئ من قبل ادارة الفندق، والمكان الانيق، بدأ عرض الفرقة، بطرحه لحالات ونماذج من الواقع في محاولة لتعرية سلوكات، باسلوب كوميدي ساخر.
لم يكن كلام النجم عماد فراجين مجرد مصادفة عندما تحدث في المؤتمر الصحافي السابق، بانه لن يكون العرض سياسيا، وانما لوحات اجتماعية، تضفي بعضا من اجواء المرح، في ظروف صعبة يعيشها الاقليم بشكل عام، وهو بذلك هيأ للناس الاطار العام الذي ستدور في لوحات العرض. حيث الطرح لقضايا اجتماعية في اغلب اللوحات، حيث الافتتاح تناول علاقات الشباب بالبنات، والمفارقات التي تحدث اثناء تصاعد العلاقة، ابتداء من لحظة التعرف إلى الفتاة، ودعوتها للمطعم ولاحقا للبيت وظهور أخيها.
وقد استخدم العرض الشاشة كواحدة من مستويات العرض، التي كانت تقدم للفكرة او تشرحها او تهيئ المشاهد لاستقبال اللوحة اللاحقة، الى جانب استخدام الفنانة" منال عوض" الستاند، لتقدم للاحداث او شرحها، او التعليق عليها.
وفي اللوحة التالية عن علاقة الاهل بالابناء، حيث المسافة التي تتباعد لدرجة عدم تقارب الطرفين، نظرا لغياب اللغة والتواصل.
وفي لوحة تنتقد الفنان التشكيلي وجمهوره من مدعي الثقافة، والتهويمات التي يعيشها كثير من مدعي الفن، ثم النظرة الاجتماعية للفتاة، وفي لوحة العيادة النفسانية تكشف عن الكوامن الخافية في نفوس الازواج، والبوح بالمسكوت عنه، حيث كل واحد يفضح الاخر.
ومن اجواء رمضان لوحة افطار لعائلة فلسطينية، حيث تقطع الكهرباء قبل موعد الافطار، ولم يعد هناك مجال لتحديد موعد الافطار، فيطلب الاب من ابنه ان يتصل بإخوته واخواته في الشتات، في تعبير عن نتائج الاحتلال البغيضة التي شتتت العائلة، في مخيمات عين الحلوة واليرموك والزعتري وتركيا، وعلى الشاشة تظهر اسماء مدن ودول، في دلالة لتوسع الشتات العربي، هذا الشتات الذي لم يعد مقتصرا على الشعب الفلسطيني.
هذه اهم الافكار التي طرحتها لوحات عرض فرقة وطن على وتر، والعرض يضعنا مباشرة في مقارنة ما بين انتاج هذه الفرقة بما يحمله من مستوى ومضامين، واقترابه من واقع وهموم الانسان الفلسطيني، والارهاصات التي تحيط به، مما اعطى الفرقة هذه الجماهيرية وهذا الاحترام، باعتبارها تمثل دور الفن والفنان ومسؤوليته تجاه قضايا وطنه، هذه المقارنة التي تقفز الى الذهن، تجعل العرض يتراجع الى اقصى الحدود، سواء من حيث الحبكة، او المضامين، او عناصر اللغة الفنية المستخدمة، صحيح ان العرض ترفيهي وليس مطلوب منه ان يلتزم بالمعايير الاكاديمية للمسرح، لكنه هنا تجاوز الاطار الذي قدمت فيه الفرقة نفسها للناس، وخرج الى دائرة العروض المصرية في خروجها على النص مستخدمة الافية والاسقاطات والايحاءات التي لامبرر لها، والى دائرة العروض اللبنانية التي تصنف على انها عروض" جريئة" بما تحمله من مفردات خارجة على الذوق، وايحاءات جنسية، ومفردات خادشة، وهذا يقع في دائرة استجداء الضحكة من الجمهور، متناسين التاثير السلبي في المتلقي، خاصة واننا نعيش اجواء شهر رمضان الذي يفترض ان يكون له اعتبار في حسابات العرض، وقد كانت الاحاديث الجانبية بعد العرض، ليست في صالح الفرقة، بل كان نوع من الاستهجان ان تتراجع فرقة موهوبة، قادرة على تقديم عرض افضل فنيا وفكريا، بعيدا عن الافيهات والايحاءات.