اخبار البلد- بسام بدارين- الانطباع يتكرس بأن 'التعبئة المضادة' قد تكون الورقة الاخيرة في ايدي خصوم الاصلاح والتغيير الذين يتحكم اهمهم في مفاصل القرار بالدولة الاردنية حاليا وسط قناعة عامة في اوساط النخب السياسية والمدنية بأن المشهد المصنوع بكفاءة وبفائض من الشر ظهر الجمعة الماضية وسط ميدان عبد الناصر في العاصمة خطط لهدف واحد ويتيم وهو ابعاد شبح الاصلاح لاكبر مسافة ممكنة عن الشارع.
ويمكن ببساطة هنا ملاحظة الفارق بين اغلاق ملف الاصلاح لاهداف تتعلق بحماية النظام وبين اغلاقه لاسباب تتعلق اما بممارسة حماية الوطن بالنار والدم ،او بحماية المساحات التي يشغلها مسؤولون بارزون لا يفكرون بطريقة عرفية فقط بل يعلمون مسبقا بان الاصلاح الحقيقي ستكون اولى نتائجه اقصاءهم عن مواقعهم ثم التحقيق بمكتسباتهم.
وقد وضع المخضرم عبد الهادي المجالي مسبقا يده على هذا التشخيص عندما قال لـ'القدس العربي' بان مستويات التنفيذ لا تريد الاصلاح فعلا او انها لا تعرف كيف تكون اصلاحية بعد سنوات طويلة من الادارة والخبرة العرفية وغير الديمقراطية.
وقد امكن لمراقبين مسيسين ونقابيين تلمس وعلى هامش تشييع جثمان قتيل احداث الجمعة حجم وعدد نخب الادارة الحكومية الذين لا يعرفون ثقافيا طرقا للادارة خارج سياق القبضة الحديدية والفولاذية وتلك قد تكون المشكلة الاساسية في عمق الجهاز البيروقراطي الذي استعان بالبلطجية لتحقيق الهدف الاسمى من وجهة نظره وهو انقاذ البلد من الاصلاح رغم ان القصر هو المؤسسة التي تتحدث عن الاصلاح اكثر وقبل غيرها.
اذا المناهضون للاصلاح في مفاصل القرار الاردنية اطلقوا سهمهم الاخير بسيناريو الجمعة البلطجي كما يؤكد المحلل السياسي البارز وعضو لجنة الحوار الوطني محمد ابو رمان الذي بدا متأكدا بان الخطة الاخيرة في جعبة العرفيين استنفدت.
ولم يبق امام الجميع الا التصلب والتخندق وراء الاصلاح الحقيقي وتفويت الفرصة على سيناريو مفترض داخل الدولة الاردنية فرض نفسه للهجوم ليس فقط على حراك الشارع ولكنه استهدف ايضا خط الملك الاصلاحي برمته بغرض اعاقته وقد ظهرت عدة ادلة على ذلك مؤخرا.
وهي ادلة يمكن تلمسها في الانقلاب الدراماتيكي لحكومة البخيت على حراك الشارع وفقا لما حصل في الجمعة السوداء وبعد اقل من 48 ساعة على رسالة ملكية اصلاحية طالبت البخيت نفسه بتسريع الاصلاحات وشخصت بصراحة الواقع الوطني.
وكذلك يمكن تلمسها بتعليقات تلفزيونية لبعض المسؤولين حاولت الايحاء بان القصر الملكي 'يبارك' خطوات الانقضاض على مسيرة الجمعة وان المسألة عابرة للحكومة واجهزتها رغم ان المؤسسة المرجعية عموما خارج سياق الصراع بالنسبة لدعاة الاصلاح على الاقل فالحراك يريد اصلاح وليس تغيير النظام كما قال ابو رمان.
لكن تفويت الفرصة على مجازفي لعبة الروليت السياسية في مفاصل القرار والسيستم الاردنية قد يتطلب تراجعا تكتيكيا على الاقل في فعاليات الشارع بدأ يفكر به فعلا بعض النشطاء المدنيين لتفويت الفرصة على لعبة 'الدم' والاستقطاب التي فرضها على الجميع ابتداء من النظام وانتهاء بالناس مسؤولون اقل حكمة في دوائر القرار.
وسيناريو الرعب هنا حاول توظيف ورقة التعبئة المضادة ضد حراك الشارع لارهاب مجموعات الشباب النشطة التي تقول الحكومة في اجتماعاتها الداخلية بأن اخطر ما فيها انها ليست مسيسة فيما تطوعت حكومة معروف البخيت لوضع المكياج اللازم على السيناريو الامني البائس باختلاق قصة الدعم المصري والسوري لحراك الاخوان المسلمين في الشارع الاردني.
وحصل هذا الاختلاق بعد العزف حكوميا على وتر التعبئة التي تلعب بنار الوحدة الوطنية حيث لاحظ التربوي الشركسي الدكتور امجد قورشة في رسالته الشهيرة للملك كشاهد عيان بان هتافات وشتائم البلطجية كانت توحي بان رشق الحجارة والشتائم البذيئة لا يستهدفان المطالبين بالاصلاح بقدر ما يستهدفان 'متجنسين' او اردنيين غير اصليين تجمعوا ضد الدولة والنظام والملك وهوامر شهد قورشة بوضوح انه ليس صحيحا على الاطلاق.
قورشة ومبارك ابو يامين وابو رمان وغيرهم من عشرات الشخصيات الوطنية الاردنية شهدوا علنا بان تجمع ميدان عبد الناصر لم يكن تجمعا لاردنيي الاصل والمنبت وكان حافلا بالاغاني الوطنية الاردنية وباعلان الولاء للملك وتقديم المناشدات له بالاصلاح.
وعلى العكس تماما فقد تردد ان النائب الفتحاوي في البرلمان الاردني محمد الحجوج قاد مجموعة كبيرة من ناخبيه للمشاركة في مسيرة الولاء المتزامنة مع اعتصام الدوار قبل انفلات المشهد الاخير.
ومجموعة نشطاء الـ 36 الشهيرة عشائريا قدمت بيانها وقالت بوضوح ان الشبان في ميدان عبد الناصر كانوا في اغلبينهم الساحقة من خيرة مثقفي وشباب العشائر الاردنية الاصيلة والاصلية ومن مختلف التيارات وبقيادة عميد الاسرى في سجون الاحتلال الصهيوني سلطان العجلوني.
يبقى ان واحدة من مشكلات الحراك الشعبي في الاردن انه يفتقد فعلا لحضور اردنيي الاصل الفلسطيني لاسباب تاريخية ومعروفة لكن جهة ما في مفاصل الدولة الاردنية ارادت الايحاء بالعكس تماما حتى تثير عصبية بغيضة في الشارع تؤجل ان لم تعدم الخيار الاصلاحي فرسم سيناريو ميدان عبد الناصر على هذا الاساس ولمصلحة افراد بعيداعن سياق النظام.
الباشا المجالي: مستويات التنفيذ لا تريد الاصلاح فعلا او انها لا تعرف كيف تكون اصلاحية ا
أخبار البلد -