يحكى انّ موظّفا حكوميّا عندما حان موعد تقاعده سلّم عهدته كاملة من مكتب وسيّارة وغيرها لقسم اللوازم في دائرته وقدّم معاملة عدم الممانعة للتوقيع وبعد فترة عادت المعاملة للمدير دون توقيع اللوازم وعندما استفسر اخبروه بأنّ طاسة عجل السيّارة التي كان يستخدمها منذ فترة طويلة ليست موجودة وهكذا اتهم المدير الموظّف بالإهمال واراد ان يخصم الشيئ الكثير من مستحقّاته كتعويض للدولة بعد تشكيل لجنة تحقيق ولكن زملائه اشاروا عليه بشراء طاسة جديدة وتقديم المعاملة مرّة اخرى وهكذا فعل وعندما قدّم المعاملة استدعاه المدير وسأله اين وجدت الطاسة فصارحه الموظّف انّه اشتراها من السوق فاتهمه المدير بالنصب والخداع وشكل له لجنة تحقيق وعند صدور قرارها كان المدير قد تغيّر وعندما وصل التقرير للمدير الجديد في اجتماع للمدراء سأل ما قصّة هذه المعاملة فأجابوا بصوت واحد الطاسة ضايعة وهكذا فهم المدير ان الموظّف صاحب المعاملة مصاب بالجنون فقرّر عرضه على طبيب في مستشفى الأمراض العقليّة وقيل حينها الطاسة ضايعة وتقال لأيِّ امور تأخذ اوقاتا طويلة في الإعداد والتقرير او للتدليل على ان ما يُقال من شخص ما هو قول هراء لا يُعتدُّ به .

ونحن كشعوب عربيّة ضاعت طاستنا منذ زمن بعيد بل وتاهت بوصلتنا وبتنا لا ندري الخطأ من الصواب وكثيرا ما يتخذ مسؤولينا من قرارات وينفّذون من إجراءات على اساس انها لصالح الوطن والمواطنين بينما تصب تلك القرارات والإجراءات في صالح العدو والمتربِّصين بنا .

ولا شكّ انّ ضياع الطاسة وتوهان البوصلة يعود لعدّة عوامل أوّلها الإبتعاد عن الله وثانيهما الأنانيّة وتغليب المصالح الشخصيّة وثالثها الطمع والفساد وموت الضمائر ورابعها الجهل بالإدارة المتكاملة والحوكمة الراشدة وغيرها من اسباب وعوامل أوصلتنا الى ما نحن فيه .

وقد وهبنا الخالق العقل لنفكّر في مصالحنا القوميّة والقلب لنحب بعضنا البعض والثروة والأيدي العاملة لنكمِّل بعضنا البعض فماذا فعلنا ؟؟؟؟؟

لقد شغّلنا عقولنا في مناكفة بعضنا البعض وافتعال الدسائس لبعضنا البعض وغمرنا قلوبنا بكره وحقد وحسد بعضنا البعض واضعنا ثرواتنا في ما هو تافه من الأمور وافقرنا الأيدي العاملة وجعلناها كمن يستجدي رغيف الخبز كي يعيش وهكذا لم نمد يد العون لبعضنا البعض أو ليس ذلك هو من اعراض المصابين بالجنون وهنا لا يهم جنون العظمة والغرور ام جنون الفقر والجوع والخطر ان ذلك الجنون كامن فينا ولا نعترف بوجوده لذلك لا نذهب لطبيب مُعالج لأن الدواء ورد من ربّ العباد قبل حوالي الف وخمسمائة عام في سورة الرعد

(إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )صدق الله العظيم .

وحيث اننا لانريد ان نغيِّر ما بأنفسنا فيجب ان لا ننتظر نصر الله وفرجه .

ونحن شعوب لا نعترف بخطأ او هزيمة بل ونكافح لنجعل الخطأ صواب والهزيمة نصر تكاد الغالبيّة تقنع انفسها بذلك بحيث تصبح من المسلّمات مع مرور السنين والأنكى من ذلك اننا نحاول زرع تلك المغالطات في افكار ومناهج ابنائنا فنشوِّش افكارهم ونضيِّع طاستهم وقد يأتي يوم يكتشفون الحقائق ونصبح في نظرهم اجدادا كذّابين ومزوِّرين للتاريخ فكيف ستقرأ الأجيال عن مجزرة قام بها الصهاينة ضد اللاجئين الفلسطينيّين في مخيّم جنين والصمود الأسطوري لسكّانه في شهر نيسان عام 2002 بينما يقرأ عن مجزرة في مخيّم اليرموك للاجئين الفلسطينيّين في دمشق قام بها عرب وآخرون يدّعون الإسلام في نيسان عام 2015.

ولكي نجد الطاسة يجب ان نحاول الصدق مع انفسنا ومع الغيروخاصّة مع اطفالنا وابناؤنا اللذين سيكونون رجال الأيّام القادمة وصانعي المستقبل الأفضل لزمانهم .

اللهم ارحمنا وثبِّتنا قريبين منك واحفظ اردنّنا ارضا وشعبا وقيادة وارفع رايته عاليا .

احمد محمود سعيد

7 / 4 / 2015