على مدى عقود، طالبت القوى الديمقراطية والمدنية الاردنية بضرورة تأسيس هيئة مستقلة تدير الانتخابات، هذه المطالبات تحققت اخيرا بفضل التعديلات الدستورية، وبالفعل تم تأسيس "الهيئة المستقلة للانتخاب" التي نظمت الانتخابات النيابية التي جرت قبل عامين ليكون ذلك بمثابة الحلم الذي تحــقق بعد ان طال انتظاره.
استقلالية هذه الهيئة في عملها عن السلطة التنفيذية والتشريعية هو ما يجعلها مصدر ثقة للناخب والمرشح وللجميع، وهو مربط الفرس وحجر الزاوية، بل ان الاستقلالية اهم بكثير من قدرات الهيئة الفنية وخبرات طواقمها وافرادها، وهي العنصر الاول الذي يعزز الثقة العامة في العملية الانتخابية بمجملها. لم يكن ذلك ليغيب عن كل المهتمين بدفع العملية الديمقراطية الى الأمام، وعلى رأسهم جلالة الملك الذي اكد في اكثر من مناسبة كان آخرها لقاء جلالته مــــــع مجلــس مفوضي الهيئة على ضرورة حماية استقلال الهيئة موجــــها رســــــــالة الى الجميع بأن هذا الموضوع من الاولويات.
ومع التعديلات الدستورية الاخيرة التي وسعت صلاحيات الهيئة المستقلة للانتخاب لتشمل الانتخابات البلدية الى جانب النيابية، كان لا بد من اجراء تعديلات على قانون الهيئة، وبدلا من ان تأتي هذه التعديلات لتعزز وتكرس استقلالية الهيئة فإنها فتحت الباب بصيغتها الحالية على مخاطر التأثير في استقلاليتها من خلال النص على خضوع نظام التعيينات فيها لنظام الخدمة المدنية، وهو ما يعني بالضرورة وجود دور حكومي في عملية التعيينات بدلا من ان تكون هذه السلطة في يد مجلس المفوضين، وهذا امر ينذر بتعارض في ممارسة الصلاحيات بين ديوان الخدمة والحكومة من جهة ومجلس مفوضي الهيئة من جهة اخرى.
ان المحافظة على استقلال الهيئة لا يمكن ان يتم الا من خلال منح الهيئة السلطـــــــة الكاملـــــة على ميزانية مخصصة لها، بحيــــــث تكون القرارات المتعلقة بهذه الميزانية بعيدة عن تدخل وتأثيــــــــر اي طرف، وبما يحقـــــــق دعم كادر الهيئـــــة الحـــــالي وتطويره واستقراره وهو ما يضمن استقلالية الهيئة من جهة وتحسن ادائها من جهة اخرى. الكرة الان في ملعب النواب الذين سيناقشون مسودة القانون، والذين عليهم ان ينتبــــــــهوا الى ان اي اضـــرار باستقلالية الهيئـــــــة هو تراجع للخلف عما تم انجازه لغاية الان، وعلى السادة النواب ان يدركوا ان القوى الداعمة للاصـــــــلاح في البلاد وعلى رأسها جلالة الملك قد دعت واكدت ضرورة دعم استقلال الهيئة المستقلــــــــة للانتخاب، هـــــــذا التأكيد جاء ايضا من المنظمات الوطنية التي راقبت الانتخـــــــــــابات وراقبت عمل الهيئة منذ تأسيــــــسها، كـــــما جاءت من الجـــــــهات الدولية المختصة بمراقبة العمليات الانتخابية.
مرة اخرى، المطلوب ببساطة هو ان يكون للهيئة اليد العليا والمطلقة في التصرف بميزانيتها وشؤونها الادارية بعيدا عن اي تدخل من اية جهة كانت، وان تتم اعادة النظر في بنود مسودة القانون المرسل الى مجلس النواب، خاصة تلك البنود المتعلقة بموازنة الهيئـــــة وتعيين كوادرها بحيث تكون سلطة التعيين محصـــــــورة في مجلس المفوضين، ويجب ان ينص القانون ايضـــــا على اليات ومعايير شفافة واضحــــة عند اختيار اعضائه.