ويعود آذار محملا بعبق الأرض الطيبة الزاخر بألوان الطبيعة وشذاها فتثمل الرؤوس من سحره وتهتز الآمال بعطره مع إقبال الربيع الغائب المحمَّل بالبشائر ،سائرا بخفة الفراشة المحلقة على أثير الحناء والطيب والعنبر..

ويعود الخصب لموطنه.. ويحط العشق على سهله..وتحلق الطيور المهاجرة فوق قلعة الكرك ، شيخة المدن ، فرحة بعودتها لأوكارها... ولكن آذار هذا العام له لون آخر وطعم آخر وإيقاع آخر..

فهنالك ثمة تساؤل بالأجواء: حيث تنتظر الجميلة «عي « متشوقة لعودة ابنها القريب البعيد.. متى يعود..فقد عاد الجميع بعودة الربيع !

لن تتحدث السروة عن الدمع الذي سكبته سرا جاريا كالأنهار يملؤها الانين.. ويعزف ناي حزين يشاطرها سر غياب البطل الذي تخلف كثيرا عن ميعاده.. كيف ستروي السروة سر اغتراب معاذ لأمه ،لأبيه ، لزوجته التي تحمل براءة معاذ بأحشائها!

- مهلا ايها القاضي الجائر وانت ايها الجلاد الكاسر.. كيف تستودع ظلمك الباتر في جسد بطل شامخ ؟

و في لحظة اغتراب لا تلين. يتهاوى جسده إلى الأعلى بشموخ المؤمن بقضيته..

وتنساب الألحان بالوديان حاملة معها عبق الأرض الطيبة العازمة على العطاء مهما قسا عليها الزمان والمكان والإنسان..

وتلتقط أم الشهيد رموز الاستشهاد بين السّطور.. بين ألحان الطبيعة العازفة للحن الرجوع الأخير ، فلا تيأس بل تنتفض مرتدية انتفاضة الشهداء..رافعة يديها للسماء تقرأ على روحه فاتحة كتاب الله.. داعية بعزم كركي مضمّخ بتاريخ عريق ، طالبة الرحمة لبقية الشهداء مثل نفش ، وزريقات ، وابوخضير..

مناشدة الجميع :- لنتعاهد امام قلعة الكرك الشامخة وثرائها المعطاء..بأننا وحدة صامدة..واحدة متكاملة لا تنكسر.. ولا تنحني امام الطغاة..

نعم هذا هو «العزم الاستثنائي» الذي يملأ القلب والعقل والوجدان.. عزم يحث الخطى في ايقاع من نوع آخر.. إيقاع يجعلنا نسير بخفة الفراشة المحلقة على أثير الأمل،بالرغم من المصاب الكبير الذي لحق بأهل الشهيد معاذ..الكساسبة.. ابن «عي» الكركية.. وببقية اهل الشهداء..بل بنا جميعنا..

معاذ الذي طالما عاد مرارا الى مسقط رأسه بعد رحلاته الطويلة.. حاملا شوقه لأمه الأرض الطيبة.. ولأمه أم معاذ طالما التي صلّت مرارا تدعو له بالسلامة في حلّه وترحاله..

معاذ الذي تغنى دائما اثناء رحلة عودته إلى احضان امه ، مرددا بيوم عيدها ، شعرا أبديا يعاهدها فيه أن يحافظ على سلامته ، ويتوخّى الحذر بطلعاته :

أحنّ الى خبز امي

وقهوة امي

ولمسة أمي

وأعشق عمري

لأني إذا مت

أخجل من دمع أمي

نعم يا معاذ حرصتَ على حياتك كي تكون ابنا وفيا مطيعا لحرصك على عدم ايلام أمك بفراقك الأبدي لها.. ام معاذ الصابرة أم الأردنيين وعنوان الصمود والنموذج الذي يحتذى به..

ولكن « الجهل «قال كلمته.. مغتالا حرص معاذ ووعده القاطع لأمه بالمحافظة على سلامته..

نعم بالرغم من الحزن الدفين الذي ألم بنا.. فإنكم يا اهل الجنوب تملكون طاقة إيجابية إستثنائية ، تحثون بها كل واحد منا على العمل والانجاز والتنمية والتقدم..

وهذه هي نفس خيارات « البطل معاذ « عندما وقف صامدا لا يأبه بجبن مغتاليه.. مخاطبا إيانا من عليائه :-

- هذه الطاقة الايجابية خلقت حلما من طعم آخر، حلما يملأ الفؤاد بالأمل.. للمضي قدما وإلى الأمام.. فبارقة الأمل.. تحتاج للرعاية..لكي تنمو وترعرع..

وفعلا استجابت لمناشداته الأجيال الصاعدة عندما شاهدنا براعمها الندية وهي تغرس بحماس وشغف شديديْن الغراس بالأرض الطيبة بغابات « معاذ».. على امتداد الوطن بأكمله هاتفة: فلتشهد يا شجر الزيتون.. إنّا مع العمل الموحّد.. وبه ماضون !

نعم نمضي للأمام بظل القيادة الهاشمية ورايتها الخفاقة المرفوعة وصوت مليكنا عبدالله الثاني يردد بثقة وكبرياء وهو يحثّنا: ارفع رأسك فأنت أردني!

ونحن نثَنّي على ذلك ونقول أيضا:

- ارفعي رأسك أم معاذ.. ارفع رأسك أبا معاذ.. ارفعي راسك يا أنوار الطراونة بمعاذ الصغيرالقادم على الطريق..

ولترفع كل أمهات الشهداء ونساء الأردن رؤوسهن. لأننا حققنا إنجازات بأردننا على صعيد العلم والعمل والقوانين.. لدرجة ان بقية البلاد العربية تعتبر المرأة الاردنية نموذجا يحتذى به..

فالأم مدرسة إذا أعددتها.. أعددت شعبا طيب الأعراق.. ورحلة الكرامة تماما كرحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة !

فكما أن كرامة الأردنيين عادت بمعركة الكرامة معيدة مضمون « الكرامة « الى قاموس عزمنا..فلندرك بأنه لا كرامة بدون تضحية !

فمشاركتنا بتكريم أمهات الشهداء يعني ترجمة محصلتها بنموذج ينحصر بثلاثية معاذ :

ام..ارض.. كرامة =.خصب..عشق..انتفاضة!