المشهد السياسي التونسي في ظل تفاقم الأزمات… حتى لا يتغلّب… الفتق على الرتق

المشهد السياسي التونسي في ظل تفاقم الأزمات… حتى لا يتغلّب… الفتق على الرتق
أخبار البلد -  

أخبار البلد -  محمد المحيسن -
قد لا أجانب الصواب إذا قلت إنّ – حكومة الحبيب الصيد- لن تجد الدربَ سالكا كي تخرج بالبلاد والعباد من مرحلة الحكم الانتقالي المؤقت إلى مرحلة الحكم المستقر خلال السنوات الخمس المقبلة.
وهذا يعني أنّ تجربة الحكم التي بدأت تظهر مؤشراتها بعد أن تشكّلت الحكومة، لن تكون سهلة بالنظر إلى الاستحقاقات التي ينبغي التعامل معها، خصوصاً في الملف الاقتصادي وكذا الملف الأمني وعلى رأسه موضوع الإرهاب وتداعياته الدراماتيكية على الاستقرار السياسي المنشود.
هذه الملفات الشائكة تستدعي وعيا عميقا بجسامتها ومقاربة شاملة تبحث في الأسباب وتستخلص النتائج عبر رؤية ثاقبة، وهو ما يقتضي نمطاً من التوافق الضروري بين القوى المختلفة، إذا أرادت هذه الحكومة أن تحقّق استقراراً ونجاحاً ممكناً في إدارة ملفات المرحلة المقبلة.
أقول هذا، لأنّ الأوضاع على المستويات الأمنية والاجتماعية، بالأساس، لا تبعث على الاطمئنان، رغم الإرادة الفذة لقوات الجيش والأمن والحرس الوطني.. هذه القوات التي ما فتئت تجازف بحياتها أثناء مطاردتها – الجسورة – للإرهابيين، واحباطها للمخططات الخطيرة.. فعلى الصعيد الأمني مطلوب من الحكومة أن تستنفر كافة قواها لمجابهة ظاهرة الإرهاب، التي ما فتئت تقضّ مضجع التونسيين.. لكن المعالجة الأمنيّة وحدها لمعضلة الإرهاب، في تقديري، غير كافية، ما لم تعضدها جهود بحثيّة تفهمّية معمّقة، تسعى إلى تحليل الظاهرة، وإدراك كيفيّات إنتاجها، وسبل مواجهتها بطريقة علميّة، تعيد تكوين العقول، وإصلاح الأفكار، وترشيد مناهج التّربية، بدل الاعتماد فقط على لعلعة الرصاص ووضع الإصبع باستمرار على الزناد.أما على الصعيد الاجتماعي فالملفات عالقة وحارقة وتستدعي بدورها مقاربة شاملة لمجابهة العديد من التحديات، لعل أهمها معضلة انتشار البطالة بين أصحاب الشّهادات العليا (15.2٪)، ومشكلة تزايد نسبة الفقر (24٪) واتّساع البون بين الطّبقات الاجتماعيّة (الأغنياء والفقراء)، وانحسار الطّبقة الوسطى، والتّفاوت الجهويّ والتنمويّ بين الولايات، خصوصاً ما تعانيه المناطق الداخليّة من تهميشٍ استمرّ عقوداً طوال دولة الاستقلال. وهذا ما يجعل الحكومة الجديدة معنيّة برسم خطط واضحة، لدعم سياسة التّشغيل وتكريس اللاّمركزيّة التنمويّة والعدالة الاجتماعيّة، والعمل على تحسين المقدرة الشرائيّة للمواطن، والحدّ من ارتفاع الأسعار.بخصوص الملف الاقتصاديّ، فإنّ عجز الميزان التجاري بلغ مستوى قياسياً سنة 2014 وقدّر بـ13.6 مليار دينار مقابل 11.4 مليار دينار سنة 2013، وعلى الرغم من تراجع معدل التضخم ليستقر على 5.5٪ مقابل 6.6٪ سنة 2013، فإنه يبقى أعلى من الانخفاض المأمول. في خضم هذه الأوضاع المأزومة وفي ظل هذه التحديات، وجدت حكومة الحبيب الصيد نفسها تواجه ملفات صعبة وشديدة التعقيد، لاسيما أنّوزير المالية سليم شاكر أكّد أن «الإشكالية الأبرز تتجلّى في كيفية تغطية باقي نفقات ميزانية عام 2015، المُقدّرة بـ3.8 مليار دولار، فضلاً عن ضرورة توفير 4.3 مليار دولار من أجل رسملة المصارف. وكل هذه الأرقام تعكس الصعوبات الموروثة عن الحكومة السابقة». وسارع محافظ المصرف المركزي الشاذلي العياري، إلى التأكيد على أنّ «الحكومة قد تجد نفسها عاجزة عن دفع أجور الموظفين الشهر المقبل»، وهو ما نفاه وزير المالية، مشدداً على أن «الدولة ملتزمة بتعهداتها تجاه المواطنين..«.
وإذا كانت المشاكل السياسة والاجتماعية والأمنية قد- حاصرتنا- من مختلف الجهات، فإنّ الطبيعة بدورها لم تكن رحيمة بنا ولا بحكومة الحبيب الصيد، حيث هدرت السيول واجتاحت الفيضانات المناطق الشمالية الغربية للبلاد، ليزداد تبعا لهذه التداعيات الطين بلّة، ومن ثم وضعت الحكومة أمام تحديات أخرى متراكمة من السنوات الماضية، وتتعلق بهشاشة البنية التحتية، مع ما يعنيه ذلك من ضرورة معالجة الثغرات الخطرة الموروثة عن السنوات العجاف التي عاشتها تونس عبر عقدين ونيف من الظلم والظلام..
ولعل ما عمّق الأزمة أكثر هو موضوع الضريبة على المغادرة (15 دولاراً)، التي ألغاها مجلس نواب الشعب التونسي في الأيام القليلة الماضية، التي زادت- كما أسلفت- الفتق اتساعا. وسعت الحكومة التونسية بعد اتهامها بالانحياز لطرف دون آخر في ليبيا، إلى توضيح موقفها عبر تأكيد وقوفها على مسافة واحدة من جميع الأطراف. ولم يخفف موقف الحكومة من حدّة التوتر بين البلدين (تونس وليبيا)، لا بل إن – حكومة طبرق- صعّدت انتقاداتها ضد تونس، إلى حدّ التهديد بقصف المنطقة الحدودية التونسية الليبية، قبل أن يتم التراجع عن هذه التصريحات رسمياً.
ما أريد أن أقول..
إنّ المشهد العام جد حرج، ومع ذلك تحاول – عبثا- بعض الأطراف من أحزاب وحركات وتيارات ومنظمات استغلال المستجدات الحاصلة، ومن ثم توظيفها لخدمة أجنداتها الضيقة من دون أدنى إحساس بجسامة المرحلة التاريخية التي نمر بها جميعا، ومن دون اكتراث أيضا بما يتطلبه الأمن القومي لتونس من التزام بقواعد التضامن الوطني لمجابهة المخاطرة المحدقة بنا..
السياسيون اليوم- منهمكون- في المزايدات السياسية، من دون أن ينتبهوا للمخاطر التي تتهدّدنا وتجرنا بالتالي إلى مربع الفوضى العارمة والانفلات، الأمر الذي وفّر أرضية خصبة للإرهاب كي ينمو ويزدهر، وأتاح الفرصة للإرهابيين لينظموا صفوفهم ويدعموا قواهم وينفذوا أجنداتهم وأجندات التنظيمات والدول الخارجية التي تحمي ظهورهم..
إذن؟
تونس اليوم في حاجة إلى تكاتف كافة مكونات المجتمع المدني وكل القوى السياسية لتثبيت أركان الجمهورية الثانية، ومن ثم إنجاز مشروع مجتمعي طموح ينآى بالبلاد والعباد عن مستنقعات الفتن والإثارة المسمــومة والانفلات الذي يتناقض مع قيم العدالة والحرية، وهذا يستدعي منا جميعا هبّة وعي تكون سدا منيعا أمام كافة المخاطر التي تهدّدنا وتسعى إلى تحويلنا إلى نماذج مرعبة ومخيفة لما يجري في العراق وسوريا وليبيا..
أقول تونس اليوم دولة وسلطة ومؤسسات، أمام امتحان جديد على درب الديمقراطية، وما على الفاعلين في المشهد السياسي التونسي إلا القطع مع النهم المصلحي والانتفاعي، المسيطر عليهم ومن ثم تخطي الطور الانتقالي الجاري بنجاح، ووضع المساطر المناسبة لبنية مجتمعهم السياسية والحزبية، من دون إغفال تطلعات مجتمعهم والشروط العامة التي تؤطرها، تطبيقا لشروط والتزامات وقيم الممارسة الديمقراطية السليمة والسلوك الحضاري القويم..
لقد استكمل المسار الانتقالي دورته ببراعة واقتدار، وخرجت تونس من طور-المؤقت- إلى مرحلة المؤسسات الدائمة، يحدونا أمل في بناء ديمقراطيتنا واستدامتها..
قد لا أضيف جديدا إذا قلت إنّ المرحلة المقبلة ستكون حاسمة، لجهة قدرة الصيد على الصمود، خصوصاً بعد أن أُضيفت جوائح طبيعية ومخاطر أمنية على لائحة الإجراءات العاجلة، التي ستلتزم الحكومة بتنفيذها قبل إتمام الـ100 يوم الأولى من عهدها، التي لم يتبقّ منها سوى سبعين يوماً، ليحلّ موعد المحاسبة العسيرة.. ومن هنا فهي مطالبة بحلحلة بعض الإشكاليات العالقة عبر اتخاد اجراءات عاجلة لتحريك عجلة الاقتصاد في المقام الأول، كأن تشجّع الباعثين الشبّان، وتستقطب المستثمرين من الدّاخل والخارج، وتعيد الثّقة إلى المتدخّلين والشّركاء التجاريّين التقليديّين لتونس، وتعمل جاهدة على تقليص الضّغوط على ميزانيّة الدّولة، بسبب تنامي النّفقات، باعتماد حوكمة اقتصاديّة رشيدة، وتكافح بالتالي كلّ أسباب الفساد الإداريّ وظواهر التّهريب والتّجارة الموازية، مع السّعي إلى رفع مستوى الإنتاج والإنتاجيّة، وكسب معركة التنافسيّة في الأسواق العربيّة والأوروبيّة، من دون إهمال الملف الأمني الذي يندرج ضمن أولويات هذه المرحلة ومن أبرز تحدّياتها..
ولكن..
تونس قادرة على الانتصار على فجوة الانحطاط والترجرج، إن توفّرت الإرادة الوطنية الصادقة، واستنفر المجتمع المدني كل قواه كي يكون سدا منيعا أمام كافة التحديات، وغلّب الجميع العقل على النقل.. والرتق على الفتق.. بمنآى عن كل المصالح الحزبية أو الفردية أو الفئوية..
لست أحلم.. ولكنّه الإيمان الأكثر دقة في لحظات المد الثوري الخلاّق.. من حسابات بعض السياسيين من ذوي المصالح الحزبية الضيقة..

٭ كاتب صحافي وعضو باتحاد الكتّاب التونسيين

محمد المحسن

 
شريط الأخبار مدرب النشامى يشيد بمساندة الأميرين علي وهاشم “الهجرة الدولية”: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم أول تشخيص لإصابة يزن النعيمات النشامى يتفوقون ويهزمون العراق .. إلى نصف نهائي كأس العرب الكرك والسلط الأعلى هطولًا .. المنخفض الجوي يرفع الأداء المطري فتح باب التقديم للدورة الأولى من جائزة زياد المناصير للبحث العلمي والابتكار 14.39 مليار دينار قيمة حركات الدفع عبر "إي فواتيركم" خلال 11 شهرا من العام الحالي ولي العهد : كلنا مع النشامى انخفاض قيمة الشيكات المرتجعة 17% حتى نهاية تشرين الثاني خلال أقل من 24 ساعة .. 9 وفيات بحادثي اختناق منفصلين بغاز التدفئة في الهاشمية - الزرقاء تجارة الأردن: ارتفاع الاحتياطيات الأجنبية يؤكد قوة الاقتصاد الوطني جمهور النشامى .. مين بعرف شو احتفالية يزن نعيمات اليوم رح تكون ؟ نفوق سلحفاة كبيرة على شاطئ الغندور في العقبة -صور الأرصاد توضح تفاصيل حالة الطقس لـ3 أيام مجلس نقابة الصحفيين الأردنيين ينعى الزميل الأستاذ بسام علي الياسين رغم الرسوم الأميركية .. صادرات الأردن تحافظ على زخم قوي في 2025 إخلاء منزل تعرض لانهيار جزئي في الشونة الشمالية الكشف عن بديل توني بلير لرئاسة مجلس السلام في غزة غزة: غرق عشرات المخيمات وانهيارات منازل على وقع خروقات اسرائيلية علاجات منزلية لإزالة قشرة الشعر بطريقة طبيعية وطرق تحضيرها