حتى الان برهنت عدة اطراف سياسية على ان الديموقراطية حين تكون مجرد مصطلح فوسفوري واشبه بحجر كريم، وبمعزل عن جذورها الاجتماعية والتربوية وتجلياتها السياسية هي مجرد مطيّة للوصول الى سدة الحكم، والمطايا قد تكون دبابات، فالديموقراطية صالحة ووصفة نموذجية اذا اوصلت طرفا او حزبا الى السلطة، لكنها حين لا تؤدي هذه الوظيفة تصبح طالحة ومستوردة وليست من صميم تراثنا وثقافتنا . وهذا الحال يذكّرنا ببعض اللاعبين الذين اذا هزموا في جولة بعثروا اوراق اللعبة وقلبوا المائدة والامتحان الحضاري والسياسي العسير لمن يدعون الديموقراطية هو موقفهم لحظة الهزيمة، فاذا قبلوها ولو على مضض وهنأوا الخصم الفائز فهم بالفعل ديموقراطيون مضمونا وليس شكلا وادعاء واذا حدث العكس فإنهم بالفعل يريدون امتطاءها حتى لو كان ذلك على ظهر عقرب كما تقول الحكاية القديمة !
ان قبول ديموقراطية مشروطة بالفوز من اول جَولة هو احتيال ومراوغة لكن هذا الاحتيال يجري تقنيعه بما يخفي دوافعه وحقيقته، ونحن الان في زمن لم تعد فيه الاساليب التقليدية قادرة على مواصلة الاغواء والتلاعب بالرأي العام، فالناس بلغوا رشدهم السيّاسي بعد قرون من البطالة والأمية، وكان الثمن باهظا، وهو ما عانوه من الاستبداد والاستعباد الذي شمل البلاد والعباد لعصور .
وما يغيب عن بعض الذين تخطف المصطلحات ابصارهم وينجذبون اليها كما تنجذب المسامير وبرادة الحديد الى حجر المغناطيس، هو ان هناك منجزات حضارية وثقافية لا ينفع معها حرق المراحل، والقفز من الألف الى الياء .
والديموقراطية تحديدا منتج حضاري ومعرفي وتربوي، يحبو ويتعثّر ويقف على ساقيه اذا توفرت له الحاضنات الثقافية الحقة، وليس المشاجب التي نخرها السوس فسقط كل ما عُلّق عليها !
ان ديموقراطية السيف ومن بعده الدبابة ليست تلك التي كان مسقط رأسها اثينا الاغريقية، بل هي اختراع يعيد انتاج الاستبداد بعد اجراء عمليات تجميل تخفي قُبحه، لهذا فالنقيض الحقيقي والتاريخي للديموقراطية ليس الديكتاتورية كما يتصور البعض بل هي الديموقراطية الزائفة او الشّبه فالاصول نقيضها اشباهها !