ما دامت هذه الوقفة الوطنية في أهم رسائلها هي الدفاع عن صورة الإسلام وقيمه السمحة، والذود عن صورته التي تشوهها الجرائم التي تُقارفها عصابات التطرف والتكفير، فلعله من المهم التذكير بأن تتولى كل الحركات والمنظمات الاسلامية التي تفهم الاسلام كدين رسالة على حقيقته التصدي لهذه الأفعال والممارسات الإجرامية الصادمة.
في الأردن.. وعلى مدى الأيام التي أعقبت اغتيال البطل الطيار معاذ الكساسبه شهيد الوطن والواجب.. حصل نفير أردني عارم من شمال الوطن الى جنوبه ومن شرقه لغربه، وأفصحت كل القوى المجتمعية والسياسية على اختلاف منابتها ومشاربها السياسية والفكرية عن صدمتها وحزنها ورفضها لهذه الجريمة البشعة.. ليس هذا فحسب وإنما تبرأوا من صلة هذا بالشريعة السمحاء، إذ لم يرد في النصوص ولا في الممارسات في تاريخ ديننا الحنيف ما يسمح بذلك ويبرر لهؤلاء الخوارج أن يمارسونه باسم الإسلام العظيم.
حين دعا جلالة الملك إلى ضرورة ان يقوم العالم الإسلامي بكل دوله ومدارسه ومفكريه للاجتماع على نصرة الإسلام عبر عمل جمعي، فإن استشهاد الطيار الأردني الكساسبة لتقدم للمجتمع الدولي والمسلمين معاً البرهان الساطع حول انحراف مثل هذه المنظمات المتطرفة بالإسلام وهدر القيم النبيلة والرفيعة التي بُنيت عليه رسالته للعالمين، وهو ما يستدعي الإسراع في تشكيل جبهة إسلامية عريضة على مستوى دول منظمة التعاون الاسلامي لوضع اتفاق دولي مُلزم لكل الدول الاسلامية والعربية في مقدمتها من أجل مكافحة هذا الشرّ المتربص في المنطقة، ووضع خطة شاملة على المستويات التربوية والثقافية والسياسية والأمنية لمحاربة هذا التطرف الظلامي الذي يستهدف عقول شبابنا وتحطيم مجتمعاتنا واستعداء شعوب العالم ودولها على الاسلام والمسلمين معاً.
أما على المستوى العالمي، فنرى ان دور الأمم المتحدة واجهزتها كالجمعية العامة ومجلس الأمن ان تنظم مؤتمراً دولياً لمناقشة سُبل مواجهة هذا الخطر الذي يستهدف الجميع، فهو يضرب اليوم في سوريا والعراق والمنطقة العربية وافريقيا واوروبا والولايات المتحدة.. وسيضرب غداً حيثما أُتيحت الفرصة بالانتشار والتمدد عبر الحدود الرخوة للدول.
هذا الإرهاب الذي أصابنا في الاردن اليوم ومن قبل، يستدعي العمل الجماعي المتكامل إسلامياً ودولياً، وان أي من دول الاقليم لا تستطيع أن تعفي نفسها من البقاء خارج هذا العمل تحت أية ذريعة، لأن الإرهاب، سيرتد الى عقر دارها وستكتوى بنيرانه حينما ينتشر خطره إذا ما تُرك لمعالجات محدودة أو إقليمية فحسب، ولعل كثيراً من دول العالم أخذت اليوم تُفكر في وضع تشريعات تضبط فيها انخراط بعض مواطنيها في صفوف هذه العصابات، وحرمان من يثبت التحاقه بها والقتال في صفوفها من الجنسية وحقوق المواطنة.
وإذ نؤكد على أن مثل هذا العمل الدولي والإسلامي بات ضرورياً، فإننا لندعو في الوقت ذاته أن تُقرر كل المنظمات والأحزاب الاسلامية موقفاً واضحاً وقوياً يرفض هذه الجرائم وإدانة فاعليها ومحاسبتهم وفقاً للقانون ومبادئ العدالة الإنسانية، وأن تقود هي الدعوة إلى مناهضة هذا التطرف الذي يُهدد المنطقة والعالم.
* أكاديمي استاذ العلاقات الدولية