تجاوزنا الصدمة واخذنا زمام المبادرة، وانحسرت حالة الذهول التي سادت شعوب العالم، نتيجة الجريمة البشعة التي ارتكبها تنظيم داعش الإرهابي ضد الانسانية، وهي اضافة جديدة لجرائمه، التي جعلت من اسم شهيدنا معاذ هو الاسم الاول والاحب في نشرات الاخبار وبكل لغات العالم.
واليوم حان وقت متابعة تفاصيل المشهد بدقة وهدوء وعقلانية وحكمة لاكتشاف الطريق المباشرة الآمن لتطبيق القصاص الذي يكون في مستوى الجريمة والجرح، بعد هذا الكم من الشرعية الرسمية والشعبية الاردنية، وهذا الحجم من التعاطف والدعم العربي والإسلامي والدولي.
فالثابت ان الجريمة الشنيعة الفظيعة التي ارتكبها تنظيم «داعش» بحق شهيدنا وشعبنا وامتنا وانسانيتنا، وبالطريقة الاستعراضية التي تمت قصد الترويع وبث الرعب، تكشف عن حجم الرعب الذي يسكن نفوسهم، نتيجة احساسهم بأنهم في تنظيم مرفوض ومحارب عربيا واسلاميا ودولياً. ولأنهم يعيشون ازمة وجودية، لجأوا الى المبالغة في ممارسة العنف، والافراط في اظهاره كوسيلة دفاعية، بعدما تأكدوا انهم محاصرون، والخناق بدأ يضيق حولهم.
وفي الجانب الاخر من المشهد تظهر صورة اخرى، ولكنها ملتبسة غامضة غير مفهومة، وتقودنا الى التساؤل عن مدى الجدية الدولية في شن الحرب على هذا التنظيم. والذي يقودنا الى الشك، في طريق البحث عن اليقين، هو عدم استخدام الوسائل الاخرى المتاحة، الى جانب العمل العسكري، مثل الضغط الجدي على الحكومة التركية كي تغلق حدودها، وبالتالي منع تسلل المسلحين، وايقاف تدفق السلاح عبر الحدود، اضافة الى تشديد الرقابة على انسياب الاموال من المانحين لكل التنظيمات المتطرفة العاملة في سوريا بدعم من جهات بعضها علني معلوم وبعضها مجهول ولكن من السهل التوصل اليه.
لذلك نعتقد ان عدم العمل جديا على تجفيف منابع الدعم العسكري والمالي للتنظيمات الارهابية، يعني استخدام هذه التنظيمات لمآرب اخرى من الجهات القادرة الكبرى، وقد يكون احد هذه الاهداف استنزاف الجيوش العربية من المحيط الى الخليج، اضافة الى استخدام هذه التنظيمات، التي تحارب وتخرب باسم الدين، وعلى قاعدة مذهبية، ضد النفوذ الايراني والروسي في المنطقة، من اجل ابقاء سيطرة القطب الواحد، الذي يعمل على انهاء الصراع العربي الصهيوني بخلق صراع مصطنع وعدو بديل.
واذا وقفنا قليلا امام خريطة الاحداث والتطورات في المنطقة، نرى ان معظم الاقطار العربية غارقة في الصراع الطائفي والعرقي الذي يعمل على تفتيت المجتمعات وتفكيك الدول، وطمس الهوية العربية واخراج القضايا القومية من الذاكرة العربية والاسلامية لحساب الهوية الطائفية السياسية، من اجل وصول كل العالقين في التاريخ والماضي الى السلطة.