بعد جريمته الشنيعة بحق الطيار الشهيد معاذ الكساسبة، اصبح القضاء على "داعش" هدفا حيويا يجمع عليه شعبنا. وعلى أهميته، فان اشتداد القصف الجوي الأردني، لمعاقل هذه العصابات، لن يطيحه، ولن يحقق هذا الهدف الاستراتيجي الحيوي. ما يحقق الهدف، هو عمليات عسكرية برية تساندها الضربات الجوية الماحقة. وليس بالإمكان ان يخوض الأردن عمليات عسكرية برية ضد عصابات "داعش" القادرة على "تسييل" معظم قواتها وخوض حرب عصابات في بادية الشام، وقواته ليست متصلة بمحطات الامداد والاسناد، من يمكن له ان يخوض هذه الحرب البرية الطويلة القاسية، هما الجيشان السوري والعراقي، صاحبا المصلحة التي تعيث "داعش" في ارضهما حاليا رعبا وفسادا ودمارا.
هذه العصابات المرتزِقة الدموية الإرهابية التي تكفر كل من عداها وتستبيحه، ستستبيح بلادنا، وتعدم رجالنا وتسبي نساءنا وتسترق أطفالنا لو تمكنت منا، كما فعلت في كل مكان تمكنت منه. من هنا؛ فمن الحكمة ان نخرج اليها وندمر اوجارها، قبل ان تقترب من حدودنا اكثر فاكثر، تطبيقا لقاعدة "القتال خارج الاسوار" وتنفيذا لرؤية علي ابن ابي طالب "اغزوهم قبل ان يغزوكم، فوالله ما غزي قوم في عقر دارهم الا ذلّوا".
يستحيل ان نسكت على هذه العصابات المتوحشة التي تستهدفنا ويستحيل ان نهزمها الا بالحرب البرية، وتستحيل هذه الحرب البرية من دون الجيش السوري والجيش العراقي، ويستحيل ان ينتصر هذان الجيشان على "داعش" في الوضع السياسي في الإقليم. ان اردنا هزيمة "داعش" – ونحن نريد – يتوجب ان يقود الأردن مبادرة لاعادة ترتيب الاصطفافات في الإقليم بحيث يتحقق التعاون والتنسيق بين جيوش المنطقة وجيوش التحالف، لاقتلاع هذا الشر الشيطاني المستطير.
ثمة من يرفض التعاون مع النظام السوري ويرفض أي حوار معه في انتظار سقوطه، بحجة هي انه و"داعش" وجهان لعملة واحدة وانه نظام البراميل المتفجرة الذي اجهز حتى الان على نحو 200 الف سوري وشرد نحو 3 ملايين سوري هربوا لاجئين الى الأردن ولبنان وتركيا وباقي دول العالم، علاوة على نحو 5 ملايين سوري هاموا لاجئين في الداخل.
ورأيي ان الشعب السوري هو فقط الذي يصفي خلافاته مع نظامه، بالنار او بالحوار، وليس نحن او غيرنا. فالشعب السوري الذي يزيد عدده على 40 مليونًا في سورية وامريكا اللاتينية والعالم، اقدر من الذين يظنون ان دراهمهم قادرة على اسقاط هذا النظام الذي صمد 4 سنوات وسيصمد اربعا أخرى، ولن يحقق المقاتلون الذين يتدفقون على سورية من نحو 80 دولة عبر البوابة التركية المُشرَعة سوى المزيد من الدمار والدماء في معارك دونكيشوتية عبثية والانخراط في تنظيمات دموية جاءت لنصرة شعب سورية وانقاذه من حكمه المستبد فاصبحت تحكمه باستبداد وفساد لا نظير لقبحهما.
ان مصلحة الأردن هي في وضع نهاية للمذبحة السورية، فسورية قلب العروبة تدخل سريعا تحت ولاية ايران الصفوية، وها هو حزب الله السوري يتشكل على حدودنا الشمالية، وها هي الطائفة النصيرية السورية التي تقدر بنحو 2 مليون تجنح تماما نحو النظام وتشكل له مصادفة، حماية لا تكسر، علاوة على ان بغداد قد انزلقت كليا تحت الولاية الإيرانية وها هي صنعاء تلحق بهما وبيروت في قبضة حزب الله الإيراني والمنامة، في المتناول الايراني والمنطقة الشرقية السعودية وكل الخليج العربي والخوف على غزة كبير.
ان العالم مدعو الى مطالبة قطر وتركيا لوقف تمويل وتسييل المال والرجال الى سورية ووقف تمويل الجماعات المتناحرة التي زاد عددها على 1000 تنظيم لا يدري احد متى تبتلع "داعش" منتسبيها ومتى تغنم سلاحهم. والعالم مدعو الى الضغط الشديد على الحكم العراقي لوقف المذابح التي ترتكب ضد السنة وطردهم من مدنهم وقراهم، الامر الذي يدفع ابناءهم الى تشكيل حواضن لن تتوقف للتطرف والغلو والانتقام ودعم الإرهابيين على مختلف تسمياتهم وراياتهم. ووسط كل هذا الدمار والخراب يضيع صوت وكفاح وتضحيات المعارضة السورية الشجاعة وتبتلع منجزاتها داعش والنصرة ويتجاذب مال النفط قادتها ويتصارع لاحتوائهم وتسخيرهم لبرنامجه.
اما أولئك الذين لايزالون يظنون انهم قادرون على اسقاط النظام السوري ببضع آلاف من المقاتلين، وملايين دولارات الأنظمة الاوتوقراطية، فليتفضلوا، وليتركونا نبحث عن تحقيق مصلحتنا الوطنية التي تتمثل في محاربة إرهاب "داعش" والتطرف والغلو بكل الوانه. الخطير في المأساة السورية هو: أي نظام او تنظيم سيحكم جارتنا الأزلية سورية في اليوم التالي لسقوط نظام الأسد؟!