لم يعد الاردن «الصغير بين البلدان» ولم يعد الحجر المرذول بين اللقا وإنما اصبح «حجر الزاوية» في البناء السياسي الوطني والقومي العربي.
لقد صنعت حكمة وشجاعة عبدالله الثاني وضعا متميزا لدور الاردن في المنطقة والعالم، ففي الداخل انتهت موجات الاحباط والتذمر العربي، والتف الاردنيون حول بلدهم وحول نظامهم السياسي، وسيظهر بعد معاذ شخوص سياسية مختلفة، فوالد معاذ ووالدته واشقاؤه وزوجته صاروا ابطالا، ليس بالمعنى التعويض العاطفي على فقد شمعتهم، وإنما بصمودهم النفسي الذي تفجّر في قلوب ملايين الاردنيين، ودفع قواتنا المسلحة الى «المغامرة الحضارية» في اندفاع «عشرات الطائرات» للخروج من «التحالف» لفتح معركة مختلفة، قلبت منذ اليوم الاول موازين القرار الدولي: فمحطة CNN تقول: تم ذبح اميركيين فلم تتحرك الادارة وبقيت تتمطى، وتم ذبح فرنسيين ويابانيين وانجليز فردّ الفرنسيون بمظاهرة وسط باريس عدد الشرطة فيها اكثر من عدد المتظاهرين، اما الاردن فقد غضب كله ودفع بطائراته الى الرد من اجل طيار واحد، صرنا نقول: تعلموا من الاردن، صحيفة «النهار» تدعو اللبنانيين الى ان يكونوا كالاردنيين ودعتهم للثأر من خاطفي عشرات الجنود اللبنانيين وذبح اربعة منهم، اما الكاتب العظيم كويللو حامل جائزة نوبل فيقول: رفع الغرب كله شعار: كلنا شارلي، وفشل في حمل شارة اهم: كلنا معاذ.
ندعو الى متابعة مراكز وعواصم القرار في نظرتهم للاردن الجديد، ومع اننا نفتقد اشقاءنا العرب، إلا ان صوت المجالس التمثيلية الاميركية والاوروبية تجعل من الوقوف الى جانب الاردن، اولوية.
كنا نتابع تظاهرة الجمعة التي حلّت بوهجها الوطني محل تظاهرات الاحباط، والتشاؤم، وجلد الذات، وتحقير الوطن، وكانت «ام الحسين» بكوفيتها الحمراء على كتفيها، سيدة المشهد، انها تعلن في ساحة المسجد الحسيني، وساحة النخيل وقوفها الى جانب «سيدنا» والى جانب الوطن الذي جعل ايمانها به ديناً في عنقها، وديدناً في سعيها الدائب والحثيث من اجل زهرة تزرعها في بوادي الاردن.
الاردن الان لن يكون الافقر بين اخوته، وجيشه لن يكون مجرد قوة مكنونة تنتظر يوما تقاتل فيه مع العرب معاركهم القومية، فها هو البلد الافقر يواجه وحده معركة الثأر للشهيد والعقيدة، والوطن، وها هو الجيش المصطفوي يحارب وحده دون انتظار احد، وها هو بلدنا يُغيّر في المعادلات الدولية، ويحرك الصمود والخوف والحذر الزائد.