إذا كانت الرواية العالمية الخيميائي أو الكيميائي للروائي "باولو كويلو” قد حصلت على مرتبة متقدمة عالميا وحجم مبيعات ضخم لبحثها في سرّ الذهب، فإن رواية الوحدة الأردنية بخلطتها الخاصة عصيّة على الكتابة رغم بساطتها وسحرها الواضح الذي لفت انظار العالم، بل وانتقل الى حالة مقاربة بين الاردن قيادة وشعبا وبين اقوى دول العالم واكثرها قوة وغنى , من واشنطن الى لندن الى الكويت ولبنان مرورا بكل الاصقاع , تُقارن وتسأل عن سرالخلطة الاردنية وصلابتها , وصارت حُمّى تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام العالمية .
ملك لدولة تفتقر الى الموارد يقول مواطن امريكي , يقطع زيارته الى البيت الابيض والكل يعرف معنى البيت الابيض في العالم ليشارك أبناء شعبه مصابهم باستشهاد شاب يحمل رتبة نقيب طيار , في حين ان رؤساء دول عظمى خسرت بلدانهم المئات لم يسلكوا هذا السلوك ولم ينحازوا الى نبض شعبهم , ملكة مرتدية شماغ العز الأردني , حاملة صورة الشهيد البطل "معاذ الكساسبة” شاركت المواطنين غضبهم ورفضهم للارهاب ودعمهم للشهادة والوحدة في مظاهرة وسط البلد .
أب يُنذر ما تبقّى من ابناء فداء للوطن , وأم تخرج من المشفى لاستقبال المعزين بكل صبر الارض وأخ يعلن انه اول من سينضم الى القوات المسلحة للدفاع عن الارض والعرض وروح معاذ , وقرية تصبح بحجم وطن وعشيرة بحجم أمة، (عَيْ) أيتها القرية الوادعة جنوب القلب , كيف نجحت في إعياء الإرهاب ودكّ جذوره كما لم تنجح كل قوات العالم في اقل من 20 ثانية هي حجم مشهد انتقال الشهيد "معاذ الكساسبة” الى بارئه بصلابة ورباطة جأش، وكفَّاه تضرعان الى الباري ان يتقبله شهيدا في عليين .
مجتمع اردني , كان كثيرون يراهنون على انفلات غضبه المتسارع , يلتقط انفاسه بعد الصدمة بدقائق فقط ويكشف عن إرثه وتراثه ويتماسك ويقدم للعالم نموذجا تحتاج دول الى عشرات السنوات كي تنجح في الوصول اليها , يبكي ويزغرد في نفس الوقت للشهيد وتنتشر بيوت عزاء معاذ في كل فضاءات الاردن , ليقول للجميع ارهابيين وأعداءً , أقارب واصدقاء: معاذ ابن الجميع , نغضب من الظرف القاسي نعم , نعتب بيننا نعم , وفي لحظة نتجاوز كل ذلك ونصبح بلون العلم , فنحن احفاد من كتب تراثه على الصخر والحجر ولم نكتبه على ماء او ورق .
ومسك الكلام فتية آمنوا بربهم , ولبسوا لباس الجيش , فكان الجيش كلمة السر وحاضنة الوفاء , حافظا لوعده محافظا على قسمه , فظل على الدوام ايقونة الاردنيين وخرزتهم الزرقاء , استقبل رسائل الارهاب بصدره وسلاحه , واستقبل استشهاد " نسر” من نسوره بطلعات جوية قالت ما عجزت الكلمات عن قوله , فأي جُند حبانا الله بهم , وأي شعار نفاخر به الدنيا , ظل على الدوام تاجا على الرؤوس ووشما في القلوب وأهزوجة ترددها الحناجر واغنية نتغنى بها في افراحنا , وهذا ما التقطه صحفي لبناني كانت أغانينا تثير في عقله الأسئلة المتأرجحة ليقول بعد استشهاد معاذ " كنت استهجن ان 90% من اغاني الاردنيين للملك والجيش والآن اقول يجب ان تكون 100% من الأغاني لهم " .
كيمياء الأردن محكومة بخلطة سرية عظمتها في بساطتها وسحرها في سرّها , وقوتها في الصمغ الهاشمي , وشيفرتها ان معاذ خرج من رحم الجنوب الذي كتب على الصخر تاريخه ومسنود بإرث الجندية الذي ما كان قطريا بل عربيا صافيا , بل خرج من نبع الاردن الصافي فهل نستغرب ان اسم ابيه (صافي) قلبا ونهجا ؟
سحر الاردن ان شهيدا واحدا قادرا على تحقيق ما تعجز عنه جيوش , فإلى رحمة الله يا معاذ الصافي طهرا ونبلا وكرامة والمجد للأردن قيادة وشعبا .